" عَوْض مُثَلَّثَةَ الآخِر مَبْنيَّة " قال الجَوهَريُّ : يُضَمُّ ويُفْتَح بغَيْر تَنْوين ومثْلُهُ قَوْلُ الأَزْهَريّ ولَمْ يَذْكُرا الثّالِثَةَ . والضَّمُّ قَوْلُ الكِسَائيّ والنَّصْبُ أَكْثَرُ وأَفْشَى . قُلْتُ : وهو قَوْلُ البَصْرِيِّينَ . تَقُولُ : عَوْضَ يَا فَتَى بالفَتْح . وقال الكُوفيّونَ : هو مَبْنيٌّ على الضَّمِّ في مَعْنَى الأَبَد مِثْلُ حَيْثُ وما أَشْبَهَها . وبالوَجْهَيْن رُوِيَ قَوْلُ الأَعْشَى يَمْدَحُ رَجُلاً كما قَالَهُ الجَوْهَريُّ والمَمْدُوحُ المُحَلَّقُ واسمُه عَبْدُ العُزَّى بنُ حَنْتَمِ بنِ جُشَمَ بنِ شَدَّادِ بْنِ رَبيعَةَ :
لعَمْرِي لَقَدْ لاحَتْ عُيُونٌ كَثِيرَةٌ ... إِلَى ضَوْءِ نارٍ في يَفَاعٍ تَحَرَّقُ
تُشَبُّ لِمَقْرُورَيْن يَصْطَلِيَانِهَا ... وبَاتَ على النَّار النَّدَى والمُحَلَّقُ
رَضِيعَيْ لِبَانٍ ثَدْيَ أمٍّ تَقَاسَمَا ... بأَسْحَمَ دَاجٍ عَوْض لا نَتَفَرَّقُ قال الجَوْهَريُّ : يقول : هو والنَّدَى رَضَعَا منْ ثَدْيٍ وَاحدِ . قُلْتُ ويُرْوَى : رَضيعَيْ لِبَانِ ثَدْيِ أُمٍّ أَضَافَ اللِّبَانَ إِلى الثَّدْيِ كما في العُبَاب . وأَراد بأَسْحَمَ دَاجٍ اللَّيْلَ . وقيلَ : سَوَادَ حَلَمَةِ ثَدْيِ أُمّه . وقيلَ : أَرادَ بالأَسْحَمِ هُنَا الرَّحِمَ . وقَالَ رَبيعَةُ بن مَقْرُومٍ الضَّبِّيُّ يَمْدَحُ مَسْعُودَ بنَ سَالِمٍ الضَّبِّيَّ :
هذا ثَنَائِي بمَا أَوْلَيْتَ منْ حَسَنٍ ... لا زِلْتَ عَوْضَ قَريرَ العَيْنِ مَحْمُودا وقال ابنُ بَرِّيّ : وشَاهدُ عَوضُ بالضَّمِّ قولُ جابرِ بْنِ رَأْلانَ السِّنْبِسِيِّ :
" يَرْضَى الخَلِيطُ ويَرْضَى الجارُ مَنْزِلَهُولا يُرَى عَوْضُ صَلْداً يَرْصُدُ العُلَلاَ وهو " ظَرفٌ لاستِغْرَاقِ المُسْتَقْبلِ " مِن الزَّمَان " فَقَطْ " كما أَن قَطُّ للْمَاضي منَ الزَّمَان لأَنَّك تَقول : " لا أُفَارِقُكَ عَوْضَ " . وعبَارَةُ الصّحاح : عَوْضُ لا أُفارِقُك تُريدُ لا أُفَارِقُك أَبَداً كما تَقُولُ في المَاضي قَطُّ ما فَارَقْتُك ولا يَجُوزُ أَنْ تَقُولَ : عَوْضُ ما فَارَقْتُك كما لا يَجُوزُ أَنْ تَقُولَ قَطُّ ما أُفَارقُك . كَذَا في الصّحاح . وقال ابنُ كَيْسَان : قَطُّ وعَوْضُ : حَرْفَان مَبْنِيَّان على الضَّمّ قَطُّ لمَا مَضَى منَ الزَّمَان وعَوْضُ لمَا يُسْتَقْبَل . تَقُولُ : ما رأَيْتُه قَطُّ يا فَتَى ولا أُكَلِّمُكَ عَوْضُ يا فَتَى . " أَو " يُسْتَعْمَلُ في " الماضي أَيْضاً . أَي أَبَداً " وهذَا قَوْلُ أَبي زَيْد فإِنَّه قالَ : " يُقَالُ : ما رأَيْتُ مِثْلُه عَوْضَ " أَي لَمْ أَرَ مثْلَه قَطُّ فقد استَعْمَلَهُ في المَاضِي كما يُسْتَعْمَلُ في المُسْتَقْبَل وهكَذَا نَقَلَهُ الصّاغانيّ في كِتَابَيْه . قُلْتُ : ويَشْهَدُ له أَيْضاً قَوْلُ الشَّاعِرِ :
فَلَمْ أَرَ عاماً عَوضُ أَكْثَرَ هَالِكاً ... ووَجْهَ غُلاَمٍ يُشْتَرَى وغُلاَمَهْوهو " مُخْتَصٌّ بالنَّفْيِ . ويُعْرَب إِنْ أُضِيفَ كُلاَ أَفْعَلُهُ عَوْضَ العَائِضِين " كما تَقُولُ دَهْرَ الدَّاهِرينَ أَي لا أَفْعَلُه أَبداً . " وعَوْضُ مَعْنَاهُ أَبَداً " كما تَقَدَّم وبه فَسَّرَ أَبُو زَيْد قَوْلَ الأَعْشَى السَّابقَ " أَو " مَعْنَاه " الدَّهْرُ " والزَّمَان كَذَا نَقَلَه اللَّيْثُ عن بَعْضِهم " سَمِّيَ به لأَنَّه " هذَا مَأْخُوذٌ من عبَارَة ابْنِ جِنّيَّ . ونَصُّ ما قَالَه يَنْبَغِي أَنْ تَعْلَم أَن العِوَضَ من لَفْظِ عَوْضُ الَّذي هو الدَّهْرُ ومَعْنَاه والْتِقاؤُهُما أَنَّ الدَّهْرَ إِنَّمَا هو مُرُورُ النَّهَارِ واللَّيْل وتَصَرُّمُ أَجْزَائِهمَا و " كُلَّمَا مَضَى جُزْءٌ " منْهُ " عَوَّضَه " ونَص ابن جنّي : خَلَفَهُ " جُزْءٌ " آخَرُ يَكُونُ عِوَضاً منه . فالوَقْتُ الكائنُ الثَّانِي غَيْرُ الوَقْتِ الماضِي الأَوَّل قال : فلهذَا كانَ العِوَضُ أَشَدَّ مُخَالفَةً للمُعَوَّضِ منه من البَدَل . " أَو " عَوْضُ " قَسَمٌ " . قَال اللَّيْثُ : كَلِمَةٌ تَجْرِي مَجْرَى القَسَمِ . قال : وبَعْضُ النَّاسِ يَقُولُ هُوَ الدَّهْرُ والزَّمَانُ . يَقُولُ الرَّجُلُ لصَاحِبهِ : عَوْضُ لا يَكُونُ ذلكَ أَبَداً فلو كَانَ عَوْضُ اسْماً للزَّمَان إِذَنْ لَجرَى بالتَّنْوين ولكنَّهُ حَرْفٌ يُرَادُ به القَسَمُ كما أَنَّ أَجَلْ ونَعَمْ ونَحْوَهُمَا ممّا لم يتمكَّن في التَّصْريف حُمِلَ على غَيْرِ الإِعْرَاب . " أَو " عَوْضُ : " اسْمُ صَنَمٍ لبَكْرِ بْن وَائلٍ " وبه فَسَّرَ ابنُ الكَلْبيّ قَوْلَ الأَعْشَى :
حَلَفْتُ بمَائِرَاتٍ حَوْلَ عَوْضٍ ... وأَنْصَابٍ تُرِكْنَ لَدَى السُّعَيْرِ قال : والسُّعَيْرُ : اسمُ صَنَمٍ كان لعَنَزَةَ خَاصَّةً كما في الصّحاح . قال الصّاغَانيّ : لَيْسَ البَيْتُ للأَعْشَى وإِنّمَا هو لرُشَيْد بن رُمَيْض العَنَزِيّ . " ويُقَالُ : افْعَلْ ذلكَ من ذِي عَوْضٍ كما تَقُولُ : مِنْ ذِي أُنُفٍ " وذي قَبْل " أَي فيمَا تَسْتَأْنِف " وفيما يُسْتَقْبَل أَضَافَ الدَّهْرَ إِلى نَفْسِهِ كما في العَيْنِ . " والعِوَضُ كعِنَبٍ : الخَلَفُ " . وفي العُبَاب : كُلُّ ما أَعطَيْتَهُ من شَيْءٍ فكان خَلَفاً . وفي المُحْكَم : العِوَضُ : البَدَلُ وبَيْنَهُمَا فَرْقٌ لاَ يَليقُ ذِكْرُه في هذَا المَكَان والجَمْع أَعْوَاضٌ . وفي الصّحاح : العِوَضُ وَاحدُ الأَعْوَاضِ تقول : " عَاضَنِي اللهُ منه عِوَضاً وعَوْضاً وعِيَاضاً " ككِتَابٍ " وأَصْلُه عِوَاضٌ " قُلِبَت الوَاوُ ياءً لانْكِسَار ما قَبلَهَا " وعَوَّضَني " اللهُ منه تَعْويضاً " والاسْمُ " من العَوْضِ " العِوَضُ والمَعُوضَة " كالمَعُونَة . " وتَعَوَّضَ " منْهُ : " أَخَذَ العِوَضَ " وكَلكَ اعْتاضَ . " واسْتَعَاضَهُ : سَأَلَهُ العِوَضَ فعَاوَضَه " مُعَاوَضَةً : " أَعْطَاهُ إِيّاه " . تَقُولُ : " اعْتَاضَهُ : جَاءَهُ طالِباً لِلْعِوَضِ " والصِّلَةِ . قال رُؤْبَةُ يَمْدَحُ بِلالَ بْنَ أَبي بُرْدَةَ :
" نِعْمَ الفَتَى ومَرْغَبُ المُعْتَاضِ
" واللهُ يَجْزِي القَرْضَ بالإِقْرَاضِ " والعَائِضُ في قَوْل أَبي مُحَمَّدٍ " عُبَيْدِ الله بنِ مُحَمَّد بن رِبْعِيّ " الفَقْعَسِيّ " الحَذْلَميّ :
" هَلْ لَكِ والعَارِضُ مِنْك عائِضُ
" في هَجْمَةٍ يُغْدِرُ منها القَابِضُ " بمَعْنَى مَفْعُولٍ كعِيشَةٍ رَاضِيَةٍ " بمَعْنى مَرْضِيَّةٍ كما في الصّحاح ويُرْوَى في مائَةٍ . ويُرْوى : يُسْئِر بَدَل : يُغْدِرُ . والقَابِضُ : السائق الشَّدِيدُ السَّوْقِ . قال الأَزْهَريّ : أَي هَلْ لَك في العَارِضِ منك على الفَضْلِ في مائَة يُسْئِر منْهَا القَابِض . وقد قدَّمنَا في " ع ر ض " مَعْنَى هذَا البَيْت نَقْلاً عن الجَوْهَرّ وذَكَرْنَا مَا فيه من الاخْتِلاف فرَاجِعْه . وممّا يُسْتَدْرَك عَليْه . أَعاضَهُ اللهُ مِثْلُ عَاضَه وعَوَّضَهُ عن ابن جِنِّي . واعْتَاضَ : أَخَذَ العِوَضَ . وقال اللَّيْث : عِضْتُ بالكسْرِ : أَخذْت عِوَضاً . قال الأَزْهِريّ : لمْ أَسْمَعُه لغَيْر اللَّيْث . وتَعَاوَضَ القَوْمُ تَعَاوُضاً : ثَابَ مالُهُم وحالُهُم بَعْد قِلّة . وقال ابنُ بَرِّيّ : وعَوْضٌ : قَبِيلَة منَ العَرَبِ . قال تأَبَّطّ شَرّاً :ولَمَّا سَمِعْتُ العَوْضَ تَدْعُو تَنَفَّرَتْ ... عَصَافِيرُ رَأْسِي من نَوىً وتَوَانِيَا قُلتُ : وهو قَوْلُ ابنِ دُرَيْد أَيضاً ولم يُفَسِّرَا أَكْثرَ منْ ذَلك وهو عَوْضُ بنُ الأَسْوَدِ بنِ عَمْرِو بن يَزِيدَ ذي الكَلاَعِ مِنْ حِمْيَرَ منْهُم أَبُو عَبْدِ الله سَلَمَةُ بنُ دَاوُودَ العَوْضِيّ . قال ابنُ أَبي حاتِم : رَوَى عن أَبي المُلَيْحِ صَالِحُ الحَدِيثِ . وعِيَاضٌ بالكًسْرِ في الأَعْلامِ وَاسِعٌ . قال ابنُ جِنِّي : إِنَّمَا أَصْلُه منْ عِضْتُه أَي أَعْطَيْتُه . والقَاضِي أَبو الفَضْل عِيَاضُ بنُ مُوسَى بن عِيَاض بن عَمْرُونَ بنِ مُوسَى بنِ عِيَاضٍ اليَحْصُبِيُّ السَّبْتِيُّ قاضِي سَبْتَةَ مُحَدِّثٌ مَشْهُورٌ مُؤَلِّفُ الشِّفَاءِ وغَيْرِه وحَفِيدُه أَبو عَبْد الله مُحَمَّدُ بنُ عِيَاضٍ قاضِي دَانِيَةَ تُوُفِّيَ سنةَ 575 تَرْجَمَه الخَطِيبُ في الإِحَاطَةِ والمَقَّرِيّ في أَزْهارِ الرِّيَاض . وعَوّاضٌ كشدّادٍ : اسمٌ وكذلِك مَعُوضَةُ وعِوَضٌ وعُوَيْضةُ كجُهَيْنة . والعُوَيْضَانُ مُصَغَّراً : ذَكَرُ الرَّجُلِ يَمَانِيَةٌ . وأَعْوَضُ كأَحْمَدَ : شِعْبٌ لهُذَيْلٍ بتِهَامَةَ نَقَلَه يَاقُوت
فصل الغين مع الضاد
" بَعْضُ كُلِّ شَيْءٍ : طائِفَةٌ مِنْه " سَوَاءٌ قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ يُقَالُ : بَعْضُ الشَّرِّ أَهْوَنُ مِنْ بَعْضِ . " ج أَبْعَاضُ " قال ابنُ سِيدَهْ : حَكَاهُ ابنُ جِنِّي فلا أَدْرِي أَهو تَسَمُّحٌ أَم هُو شَيْءٌ رَوَاه . " ولا تَدْخُلُهُ الَّلامُ " أَي لامُ التَّعْرِيف لأَنَّهَا في الأَصْلِ مُضَافَةٌ فهي مَعرفةٌ بالإِضَافَةِ لَفْظاً أَو تَقْدِيراً فلا تَقْبَل تَعْرِيفاً آخَرَ " خِلافاً لابْنِ دَرَسْتَوَيْه " والزَّجَاجِيِّ فإِنَّهما قَالا : البَعْضُ والكُلُّ . قال ابنُ سِيدَه : وفيه مُسَامَحَة وهُو في الحَقِيقَة غيْرُ جَائِزٍ يَعْنِي أَنَّ هذا الاسْمَ لا يَنْفَصِلُ عن الإِضَافَةِ . وفي العُبَابِ : وقد خَالَفَ ابنُ دَرَسْتَوَيْهِ النَّاسَ قاطِبَةً في عَصْرِه وقال النَّاقِدِيّ :
فَتَى دَرَسْتَوِيّ إِلى خَفْضِ ... أَخْطَأَ في كُلِّ وفي بَعْضِ
دِمَاغُه عَفَّنَه نَوْمُه ... فصارَ مُحْتاجاً إِلى نَفْضِ
قال " أَبُو حَاتم " : قلت للأَصْمَعِيّ : رَأَيْت في كِتَابِ ابنِ المُقَفَّع : العِلْم كَثِير ولكِنَّ أَخْذَ البَعْضِ خيْرٌ من تَرْكِ الكُلَّ فأَنْكَرَهُ أَشَدَّ الإِنْكَار وقال : الأَلفُ والَّلامُ لا يَدْخُلاَن في بَعْضٍ وكُلِّ لأَنَّهُمَا مَعْرِفَةٌ بغيْرِ أَلِفٍ ولاَمٍ . وفي القُرْآنِ العَزيز : " وكُلّ أَتُوْهُ دَاخِرِينَ " . قال أَبو حاتِمٍ : لا تَقُولُ العَرَبُ الكُلّ ولا البَعْض وقد " اسْتَعْمَلَها " النَّاسُ حَتَّى " سِيبَويْه والأَخْفَشُ في كِتَابَيْهِما لِقِلَّة عِلْمِهِما بِهذَا النَّحْوِ " فاجْتَنِبْ ذلِكَ فإِنَّهُ ليْسَ من كَلامِ العَرَب . انْتَهَى . قال شيْخُنَا : وهذَا من العَجَائِب فلا يَحْتَاج إِلى كَلاَمٍ . قُلتُ : وقالَ الأَزْهَرِيُّ : النَّحْوِيُّون أَجَازُوا الأَلِفَ والَّلامَ في بَعْضِ وكُلٍّ وإِنْ أَبَاهُ الأَصمَعِيُّ . قال شيْخُنا أَيْ بِناءً على أَنَّها عِوَضٌ عن المُضَافِ إِليْه أَو غيْر ذلِكَ وجَوَّزَهُ بَعْضٌ . على أَنَّهُ مُؤَوَّلٌ بالجُزْءِ وهو يَدْخُلُ عَليْه " ال " فَكَذَا ما قَامَ مَقَامَه وعُورِضَ بأَنَّه ليْسَ مَحَلَّ النِّزَاعِ . " والبَعُوضَةُ : البَقَّة ج بَعُوضٌ " قاله الجَوْهَرِيّ وقد وَرَدَ في الحَدِيث وهكذا فُسِّرَ وقال الشَّاعِرُ :
يَطِنُّ بَعُوضُ المَاءِ فَوْقَ قَذَالِهَا ... كمَا اصْطَخبَت بَعْدَ النَّجِيِّ خُصُومُ وأَنْشَدَ مُحَمَّدُ بنُ زِيَادٍ الأَعْرَابِيُّ :
" ولَيْلَةٍ لَمْ أَدْرِ ما كَرَاهَا
" أُسَامِرُ البَعُوضَ في دُجَاهَا
" كُلّ زَجُولٍ يُتَّقَى شَذَاهَا
" لا يَطْرَبُ السَّامِعُ مِنْ غِنَاهَا وقال المُصَنِّف في البَصَائِر : إِنّما أُخِذَ لَفْظُه من بَعْضٍ لصِغَرِ جِسْمه بالإِضَافَةِ إِلى سَائر الحَيَوانات . البَعُوضَةُ : " مَاءٌ لبَنِي أَسَدٍ " قَرِيبُ القَعْرِ كانَ لِلْعَرَب فيه يَوْمٌ مَذْكُورٌ . قال مُتَمِّمُ بنُ نُوَيْرَةَ يَذْكُرُ قَتْلَى ذلِكَ اليَوْمِ :
" على مِثْلِ أَصْحَابِ البَعُوضَةِ فاخْمِشِيلَكِ الوَيْلُ حُرَّ الوَجْهِ أَوْ يَبْكِ مَن بَكَى ورَمْلُ البَعُوضَةِ : مَوْضِعٌ في البَادِية قالَهُ الكِسَائِيّ . " وبُعِضُوا بالضَّمِّ : آذَاهُم " وفي الأَساسِ : أَكَلَهُمُ البَعُوضُ . " ولَيْلَةٌ بَعِضَةٌ " كفَرِحَة " ومَبْعُوضَةٌ وأَرْضٌ بَعِضَةٌ " " أَي كَثِيرَتُه . وأَبْعَضُوا " فهم مُبْعِضُونَ : " صَارَ في أَرْضِهِمْ البَعُوضُ " أَو كَثُرَ كما في الأَسَاس . من المَجَاز : " كَلَّفَنِي " فُلانٌ " مُخَّ البَعُوضِ أَي مَالا يَكُون " كما في التَّكْمِلَةِ . وفي الأَساسِ : أَي الأَمْرَ الشَّدِيدَ . قال اللَّيْثُ : " البُعْضُوضَةُ بالضَّمِّ : دُوَيْبَّة كالخُنْفَساءِ " تَقْرِضُ الوِطَابَ وهي غيْرُ البُعْصَوصَةِ بالصادِ الّتي تَقَدَّم ذِكْرُها . " والغِرْبانُ تَتبَعْضَضُ " أَي " يَتَنَاوَلُ بَعْضُهَا بَعْضاً " نقله الصّاغَانِيّ . " وبَعَّضْتُهُ تَبْعِيضاً : جَزَّأْتُهُ فتَبَعَّضَ " أَيْ " تَجَزَّأَ " نقله الجَوْهَرِيّ . ومنه : أَخَذُوا مالَه فبَعَّضُوه أَي فَرَّقُوهُ أَجْزاءً . وبَعَضَ الشَّاةَ وبَعَّضَهَا . قال الصَّاغَانِيُّ : والتَّرْكِيب يَدُلُّ على تَجْزِئَةِ الشَّيْءِ وقد شَذَّ عَنْهُ البَعُوض . وممّا يُسْتَدْرَك عليه : البَعْضُ : مَصْدَرُ بَعَضَهُ البَعُوض يَبْعَضُه بَعْضاً : عَضَّهُ وآذَاهُ ولا يَقَال في غيْرِ البَعُوضِ . قال يَمْدَحُ رَجُلاً باتَ في كِلَّةٍ :
لَنِعْمَ البَيْتُ بَيْنُ أَبِي دِثَارٍ ... إِذا ما خَافَ بَعْضُ القَوْمِ بَعْضَا قوله بَعْضاً أَي عَضّاً . وأَبو دِثَارٍ : الكِلَّةُ . وقَوْمٌ مَبْعُوضُونَ وأَرْضٌ مَبْعَضَةٌ كما يُقَال : مَبَقَّة أَيْ كَثِيرَتُهُمَا . تَذْنِيبٌ : نُقِلَ عن أَبي عُبَيْدَةَ أَنَّهُ جَعَلَ البَعْضَ من الأَضْدادِ وأَنَّهُ يَكُون بمَعْنَى الكُلِّ واسْتَدَلَّ له بقَوْلِه تَعالى : " يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكم " أَي كُلّه . واستَدَلَّ بِقَوْلِ لبِيد :
" أَوْ يَعْتَلِقْ بَعْضَ النُّفُوسِ حِمَامُهافإِنَّهُم حَمَلُوه على الكُلِّ . قُلتُ : وهكذا فَسَّرَ أَبُو الهيْثَمِ الآيَةَ أَيضاً . قال ابنُ سِيدَه : وليْسَ هذَا عِنْدي على ما ذَهَب إِليْه أَهْلُ اللُّغَةِ مِنْ أَنَّ البَعْضَ في مَعْنَى الكُلّ . هذا نَقْضٌ ولا دَلِيلَ في هذا البَيْتِ لأَنَّهُ إِنَّمَا عَنَى ببَعْضِ النُّفُوسِ نَفْسَهُ . قال أَبُو العَبّاسِ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى : أَجْمَع أَهْلُ النَّحْوِ على أَنَّ البَعْضَ شَيْءٌ من أَشيَاءَ أَو شَيْءٌ من شَيْءٍ إِلاّ هِشَاماً فإِنَّه زَعَم أَنَّ قَوْلَ لِبيدٍ : أَوْ يَعْتَلِقْ إِلخ فادَّعَى وأَخْطَأَ أَنَّ البَعْضَ هُنَا جَمْعٌ ولم يَكُنْ هذَا مِنْ عَمَلِهِ ؛ وإِنّمَا أَرادَ لبِيدٌ ببَعْضِ النُّفُوسِ نَفْسَهُ . قال : وقَوْلُه تَعَالَى : يُصِبْكم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُم " أَنَّه كان وَعَدَهُم بشَيئين عَذَاب الدُّنِيَا وعَذَاب الآخِرَة فقَال : يُصِبْكُمْ هذَا العَذَابُ في الدُّنيَا وهو بَعْضُ الوَعْدَين من غيْرِ أَنْ نَفَى عَذَابَ الآخِرَة . وقال أَبو إِسْحاقَ في قَوْله : " بَعْضُ الَّذِي يَعِدكم " من لَطِيفِ المَسَائِل أَنَّ النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إِذا وَعَدَ وَعْداً وَقَعَ الوَعْدُ بأَسْرِه ولم يَقَعْ بَعْضُه فمِنْ أَيْنَ جازَ أَنْ يَقُولَ بَعْض الَّذِي يَعِدُكُم وحَقُّ اللَّفْظِ : كُلُّ الَّذِي يَعِدُكُم وهذا بَابٌ من النَّظَرِ يَذْهَبُ فيه المُنَاظِرُ إِلى إِلْزَام حُجَّتِه بأَيْسَرِ مَا فِي الأَمْرِ وليْس هذا في مَعْنَى الكُلِّ وإِنَّمَا ذَكَرَ البَعْضَ لِيُوجِبَ له الكُلَّ لأَنَّ البَعْضَ هو الكُلُّ . ونَقَل المصَنِّف في البَصَائر عن أَبِي عُبَيْدَةَ كَلاَمَهُ السَّابِقَ إِلاّ أَنَّه ذَكَر في اسْتِدْلاَلِهِ قَوْلَهُ تَعَالَى : " ولأُبَيِّنَ لكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ " أَي كُلَّ وذَكَر قَوْلَ لبِيدٍ أَيْضاً . قَال : هذا قُصُورُ نَظَرٍ منه وذلِكَ أَنَّ الأَشيَاءَ على أَرْبَعَةِ أَضْرُبٍ : ضَرْب في بَيانِهِ مَفْسَدَةٌ فلا يَجُوزُ لِصَاحِبِ الشَّرِيعَةِ بَيَانُه كوَقْتِ القِيَامَة ووَقْتِ المَوْتِ . وضَرْب مَعْقُول يُمْكِن لِلْنَّاسِ إِدراكُه من غيْر نَبيّ كمَعْرِفة اللهِ ومَعْرِفَةِ خَلْقِ السَّموَاتِ والأَرْضِ فلا يَلْزَمُ صَاحِبَ الشَّرْعِ أَنْ يُبَيِّنَه أَلاَ تَرَى أَنَّه أَحالَ مَعْرِفَتُه على العُقُول في نَحْوِ قَولِه " قُل انْظُروا مَاذَا فِي السَّموَاتِ والأَرْضِ " وقوله : " أَوْلَم يَنْظُرُوا في مَلَكُوتِ السَّمواتِ " . وضَرْب يَجِبُ عليه بَيَانُه كأَصُولِ الشَّرْعِيّات المُخْتَصَّةِ بشَرِعِهِ . وضَرْب يُمْكِنُ الوُقُوفُ عليه بِمَا يُبَيِّنُه صاحِبُ الشَّرْع كفُرُوعِ الأَحْكَام . فإِذَا اخْتَلَفَ النَّاسُ في أَمْرٍ غيْرِ الَّذِي يَخْتَصُّ بالنَّبِيِّ بَيَانُه فهو مُخَيَّر بَيْنَ أَنْ يُبَيِّنَ وبَيْنَ أَنْ لا يُبَيِّنَ حَسْبَ ما يَقْتَضِيه اجْتِهَادُه وحِكْمَتُه . وأَمّا الشَّاعِرُ فإِنّهُ عَنَى نَفْسَهُ . والمَعْنَى إِلاّ أَنْ يَتَدَارَكَنِي المَوْتُ لكِنْ عَرَّضَ ولَمْ يُصَرِّح تَفَادِياً من ذِكْرِ مَوْتِ نَفْسِه فتَأَمَّلْ