حَيْثُ : كَلِمَةٌ دالَّةٌ على المَكَانِ " ؛ لأَنّه ظَرفٌ في الأَمْكِنَةِ " كحِينَ في الزَّمانِ " وهو مَذْهَبُ الجُمْهُور وحَكَى عليه جماعَةٌ الاتّفَاقَ قال شيخُنَا : وقد خالَفَ الأَخفشُ فادّعى أَنها تأْتِي وتَرِدُ للزّمَانِ وأَقوى شاهِدٍ على دَلالَتِهَا على الزّمَان قوله :
حَيْثُما تَسْتَقِمْ يُقَدِّرْ لَكَ اللهُ ... نَجَاحاً في غَابِرِ الأَزْمَانِ
وإِن بحثَ فيه الدَّمامِينِيُّ في التُّحْفَةِ وتَكَلَّفَ للجَوَابِ وهي ظَرفٌ وتَدْخُلُ عليها ما الكَافَّةُ فتَتَضَمَّنُ معنَى الشَّرْطِ كما في البَيْتِ ولها أَحكامٌ مَبْسُوطَةٌ في المُغْنِى وغيرِهِ . " ويُثَلَّثُ آخِرُه " قال شيخُنَا : أَي مع كُلٍّ من الياءِ والواوِ والأَلف عند بعضِهم فهي تسعُ لُغَاتٍ ذَكَرَها ابنُ عُصْفُورٍ وغيرُه وبه تَعْلَم قُصورَ كلامِ المُصَنِّف . قلت : هذا الذِي ذكَره شيخُنا إِنما هُو في قولهم : تركتُه حاثِ باثِ وحَوْثَ بَوْثَ وحَيْثُ بَيْثَ - بالواو والياءِ والأَلف مع التَّثْلِيثِ في آخِرِهِ - وأَما فيما نَحْنُ فِيهِ فلم يَرِدْ فِيه إِلا حَوْثُ وحَيْثُ ولم يرد حاثَ ولم يَقُلْ أَحدٌ : إِن الأَلِفَ لغةٌ فيه وسَنَذْكُرُ في ذلك كلامَ الأَئمَّةِ . حتَّى يَظْهَرَ أَنّ ما ذكرَه شيخُنَا إِنّمَا هو تَحَامُلٌ فقط . ففي التكملة : حَيْثِ - مبنيّاً على الكسْر - : لُغَةٌ في الضمّ والفتح . وفي اللسانِ : حَيْثُ : ظرفٌ مُبْهَمٌ من الأَمْكنَة مضمومٌ وبعضُ العربِ يَفْتَحُه وزعموا أَنَّ أَصْلَها الواو قال ابنُ سِيده : وإِنَما قلَبُوا الواوَ ياءً طلبَ الخفَّة قال : وهذا غيرُ قَوِيٍّ . وقال بعضهم : أَجْمَعَتِ العربُ على رفع حيثُ في كل وَجْهٍ وذلك أَنَّ أَصلَها حَوْثُ فقُلِبت الواو ياءً ؛ لكثرةِ دُخُولِ اليَاءِ على الوَاو فقيل : حَيْثُ ثمّ بُنِيَتْ على الضَّمّ ؛ لالتقاءِ السَّاكِنَينِ واختِيرَ لها الضَّمُّ ليُشْعِرَ ذلك بأَن أَصلَهَا الواو وذلك لأَنَّ الضَّمةَ مُجَانِسةٌ للواو فكأَنّهم أَتْبَعُوا الضَّمَّ الضَّمّ قال الكِسَائِيّ : وقد يكون فيها النَّصْبُ يَحْفِزُهَا ما قبلَهَا إِلى الفَتْح . قال الكِسَائِيّ : سَمِعْتُ في بني تَميمٍ - من بَنِي يَرْبُوعٍ وطُهَيَّةَ - من يَنْصِبُ الثاءَ على كلِّ حالٍ : في الخفْضٍ والنصْبِ والرفْع فيقول : حَيْثَ الْتَقَيْنَا ومن حَيْثَ لا يَعْلَمُون ولا يُصِيبُه الرَّفْعُ في لُغَتِهم قال : وسمعتُ في بني الحَارِثِ ابنِ أَسَدِ بنِ الحارِثِ بنِ ثَعْلَبَةَ وفي بَنِي فَقْعَسٍ كُلِّهَا يَخْفِضُونَهَا في موضع الخَفْضِ ويَنْصِبُونَها في موضع النَّصْب فيقول : من حيثِ لا يَعْلَمُونَ وكانَ ذلك حَيْثَ التَقَيْنَا . وحكى اللِّحْيَانيّ عن الكِسَائِيّ أَيضاً أَنّ مِنْهُم من يَخْفِضُ بحيْثُ وأَنشد :
" أَمَا تَرَى حَيْثُ سُهَيْل طَالِعَا قال : وليْسَ بالوَجْهِ . وقال الأَزْهَرِيّ - عن اللَّيْث - : للعَرَبِ في حَيْثُ لُغَتَان : فاللُّغَةُ العَاليَةُ حَيْثُ الثَّاءُ مَضْمُومَةٌ وهو أَداةٌ للرَّفْع الاسم بَعدَهُ ولُغَةٌ أُخْرَى حَوْثُ روايةٌ عن العَرَبِ لبَنِي تَمِيمٍ : " يَظنّون حيثُ في موضع نَصْبٍ يقولون الْقَهُ حيثُ لَقِيتَه ونحو ذلك كذلك " وقال ابنُ كَيْسَانَ : حَيْثُ حَرفٌ مبْنِىٌّ على الضَّمِّ وما بعدَهُ صِلَةٌ له يرتقعُ الاسمُ بعدَه على الابتداءِ : كقولك : قُمْتُ حَيْثُ زَيدٌ قائِمٌ وأَهلُ الكُوفَةِ يُجِيزُونَ حَذفَ قائم ويرفَعُونَ بحيثُ زَيْداً وهو صِلةٌ لها فإِذا أَظْهَرُوا قائماً بعدَ زَيْد أَجَازُوا فيه الوَجْهَيْنِ : الرفع والنصْبَ " فَيرفعون الاسمَ أَيضاً وليس بِصِلَةٍ لها ويَنصبون خَبَره ويرفعونه فيقولون : قامت مقام صِفَتين والمعنى : زيدٌ في مَوضع فيه عمرٌو . فَعَمْرٌو مرتفع بفيه وهو صِلةٌ للموضِع وزَيدٌ مرتفع بفي الأُولَى وهي خَبرُه وليست بصِلةٍ لشيءٍ " قال : وأَهلُ البَصْرَةِ يقُولون : حيثُ مُضَافَةٌ إِلى جُمْلَةِ " ف " لذلك لم تَخْفِضْ وأَنشد الفرَّاءُ بيتاً أَجازَ فِيهِ الخَفْضَ " وهو قوله :
" أَما تَرَى حَيْثَ سُهَيْلِ طَالِعَافلمّا أَضافَهَا فتحها كما يفعل بعِنْد وخَلْف " . وقال أَبو الهَيْثَمِ : " حيث ظَرفٌ من الظُّرُوف يَحتَاج إِلى اسمٍ وخَبَرٍ وهي تجمع معنى ظَرْفَيْنِ كقولك : حيثُ عبدُ الله قاعِدٌ زيدٌ قائمٌ . المعنَى : الموضعُ الذي فيه عبد الله قاعدٌ زيد قائمٌ قال و " حَيْثُ من حروفِ المَوَاضِع لا من حُروفِ المَعَانِي وإِنما ضُمَّتْ ؛ لأَنّها ضُمِّنَتْ الاسمَ الذي كانتْ تَسْتَحِقُّ إِضافَتَهَا إِليه قالَ : وقال بعضُهُم : إِنَّمَا ضُمَّتْ ؛ لأَنّ أَصلَهَا حَوْثُ فلما قَلَبُوا واوَهَا ياءً ضَمُّوا آخِرَها . قال أَبُو الهَيْثَمِ : وهذا خَطَأُ ؛ لأَنَّهُم إِنّما يُعْقِبُون في الحرف ضَمَّةً دالَّةً على واوٍ ساقِطَةٍ . قال الأصمعيّ : ومما تخطِىءُ فيه العَامَّةُ والخَّاصَّةُ باب حِينَ وحَيْثُ غَلِطَ فيه العُلَمَاءُ مثلُ أَبي عُبَيْدَةَ وغيرِه قال أَبو حاتمٍ : رأَيتُ في كتابِ سيبويهِ أَشياءَ كثيرةً يَجْعَلُ حِينَ حَيْثُ وكذلك في كتابِ أَبي عُبَيْدَة بِخَطِّه . قال أَبو حاتمٍ : واعلمْ أَنّ حِينَ وحيْثُ ظَرْفَانِ : فحينَ ظرفٌ من الزَّمَانِ وحَيْثُ ظرفٌ من المَكَانِ ولكُلِّ واحد منهما حَدٌّ لا يُجَاوِزُه والأَكثرُ من النّاس جعلوهُما معاً . والله أَعلم
فصل الخاء المعجمة مع المثلثة