قَبَضَه بيَدِه يَقْبِضُه : تَنَاوَلَه بيَدِه مُلامَسَةً كما في العُباب وهو أَخَصُّ مِنْ قولِ الجَوْهَرِيّ : قَبَضْتُ الشَّيءَ قَبْضاً : أَخَذْتُه ويَقْرَب منهُ قَوْلُ اللَّيْثِ : القَبْضُ : جمعُ الكَفِّ على الشَّيْءِ . وقيلَ : القَبْضُ : الأَخْذُ بأَطْرافِ الأَنَامِل وهذا نَقَلَهُ شَيْخُنَا وهو تَصْحيفٌ . والصَّوابُ أَنَّ الأَخْذَ بأَطْرافِ الأَنامِلِ هو القَبْصُ بالصَّاد المُهْمَلة وقد تَقَدَّم . وقَبَضَ عَلَيْهِ بيَدِه : أَمْسَكَه . ويُقالُ : قَبَضَ عَلَيْهِ وبِهِ يَقْبِضُ قَبْضاً إِذا انْحَنَى عَلَيْهِ بجَميعِ كفِّه . وقَبَضَ يَدَهُ عنه : امْتَنَعَ عن إمْساكِه ومِنْهُ قَوْلُه تَعَالَى " ويَقْبِضُون أَيْدِيَهُمْ " أَي عن النَّفَقَةِ وقيلَ : عن الزَّكاةِ فهو قَابِضٌ وقَبَّاضٌ حكاه أَبو عُثمانَ المازِنِيّ قالَ : وهو لُغَةُ أَهل المَدينَة في الَّذي يَجْمَعُ كلَّ شَيْءٍ وقَبَّاضَةٌ بزِيادَةِ الهاء وليستْ للتَّأْنيث . وقَبَضَهُ : ضدُّ بَسَطَه ويُرادُ به التَّضْييقُ . ومِنْهُ قَوْلُه تَعَالَى " والله يَقْبِضُ ويَبْسُطُ " أَي يُضَيِّقُ عَلَى قَوْم ويُوَسِّعُ عَلَى قَوْمٍ . وروى المِسْوَرُ بنُ مَخْرَمَةَ عنِ النَّبِيّ صَلّى اللهُ عليه وسَلّم أَنَّهُ قالَ : " فاطِمَةُ بَضْعةٌ مِنِّي يَقْبِضُني مَا قَبَضَها ويَبْسُطُنِي مَا بَسَطَها " وقال اللَّيثُ : يُقَالُ : إِنَّهُ لَيَقْبِضُني مَا قَبَضَكَ . قالَ الأَزْهَرِيُّ : معناه أَنَّهُ يُحْشِمُني مَا أَحْشَمَكَ . وقَبَضَ الطَّائِرُ وغَيْرُه : أَسْرَعَ في الطَّيَرانِ أو المَشْيِ . وأَصْلُ القَبْضِ في جناحِ الطَّائر هو أَنْ يَجْمَعَهُ ليَطيرَ وقد قَبَضَ وهوَ قابِضٌ وقَبَضَ فهو قَبِيضٌ بيِّنُ القَباضَة والقَبَاضِ والقَبَضِ بفَتْحَتِهِنّ وفيه لفٌّ ونَشْرٌ غيرُ مُرَتَّب أَي مُنْكَمِشٌ سريعٌ وأَنْشَدَ الجَوْهَرِيّ للرَّاجز :
" أَتَتْكَ عِيسٌ تَحْمِلُ المَشِيَّا
" ماءً مِنَ الطَّثْرَةِ أَحْوَذِيَّا
" يُعْجِلُ ذَا القَبَاضَةِ الوَحِيَّا
" أَنْ يَرْفَعَ المِئْزَرَ عَنْهُ شَيَّا
ومِنْهُ قَوْلُه تَعَالَى " والطَّيْر صَافَّات ويَقْبِضْنَ " هكذا في سائر النُّسَخ وهو غَلَطٌ فإنَّ الآيَةَ " أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ ويَقْبِضْنَ " وأَمَّا آيَةُ النُّور " والطَّيْرُ صافَّاتٍ " لَيْسَ فيها ويَقْبِضْنَ وكَأَنَّهُ سَقَطَ لَفْظُ فَوْقَهُمْ من أَصل نُسْخَةِ المُصَنِّف إمَّا سهواً أَو مِنَ النُّسَّاخ وقد ذَكَرَ الجَوْهَرِيُّ الآيَةَ عَلَى صِحَّتِها وكذا الصَّاغَانِيُّ وصاحبُ اللّسَان إلاَّ أَنَّهما اقْتَصَرا عَلَى صَافَّات ويَقْبِضْنَ ولم يذكُرا أَوَّلَ الآيَةِ فتأَمَّل . ورجُلٌ قَبيضُ الشَّدِّ هكذا في سائر النُّسَخِ وهو غَلَطٌ والصَّوابُ : فَرَسٌ قَبيضُ الشَّدِّ أَي سَريعُ نَقْلِ القَوائِم كما في الصّحاح والعُبَاب . وفي اللّسَان : القَبيضُ من الدَّوابِّ : السَّريعُ نَقْلِ القَوَائِم . قالَ الطِّرِمّاح :
" سَدَتْ بقَبَاضَةٍ وثَنَتْ بلِينِ ولكنْ في قَوْل تَأَبَّطَ شَرًّا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُقَالُ رَجُلٌ قَبيضُ الشَّدِّ وهو قولهُ :
حتَّى نَجَوْتُ ولَمَّا يَنْزِعُوا سَلَبِي ... بوَالِهٍ من قَبِيضِ الشَّدِّ غَيْداقِفإنَّهُ يَصِفُ عَدْوَ نَفْسِهِ كما قالهُ الصَّاغَانِيُّ . قٌلْت : وكانَ مِنْ أَعْدَى العَرَبِ كما سيأتي في أَ ب ط . وقُبضَ فُلانٌ كعُنِيَ : ماتَ فهو مَقْبوضٌ كما في الصّحاح . وفي الحَدِيث : قالتْ أَسْماءُ رضي الله عنها " رَأَيْتُ رَسُولُ الله صَلّى اللهُ عليه وسَلّم في المَنَام فسَأَلَني : كَيْفَ بَنُوكِ ؟ قُلْتُ : يُقْبَضُونَ قَبْضاً شَديداً فأَعْطاني حَبَّةً سَوْدَاءَ كالشُّونِيزِ شِفاءً لَهُمْ . قالَ : وأَمَّا السَّامُ فلا أَشْفي مِنْهُ " وفي اللّسَان : قُبِضَ المَريضُ إِذا تُوُفِّيَ وإذا أَشْرَفَ عَلَى المَوْتِ ومِنْهُ الحديثُ : " فأَرْسَلَتْ إِلَيْه : أَنَّ ابْناً لي قُبِضَ " أَرادَتْ أَنَّهُ في حالِ القَبْضِ ومعَالَجَةِ النَّزْع . ويُقَالُ : دَخَلَ مالُكَ في القَبْضِ مُحَرَّكَةً أَي في المَقْبوضِ كالهَدَمِ للمَهْدُومِ والنَّفَضِ للمَنْفوضِ . وفي الصّحاح : هو مَا قُبِضَ من أَموالِ النَّاسِ . قُلْت : ومِنْهُ الحَدِيث : " اذْهَبْ فاطْرَحْه في القَبَضِ " قالهُ لسَعْدِ بنَ العاصِ وأَخَذَ سَيْفَهُ . وفي حديث أَبي ظَبْيَانَ : " كانَ سَلْمانُ عَلَى قَبَضٍ مِنْ قَبَضِ المُهَاجِرين " . وقالَ اللَّيثُ : القَبَضُ : مَا جُمِعَ من الغنائم قبلَ أَن تُقْسَمَ . وأُلقيَ في قَبَضِهِ أَي مُجْتَمَعِه . والمَقْبِضُ كمَنْزِلٍ وعليه اقْتَصَر الجَوْهَرِيّ والمَقْبَضُ مِثْلُ مَقْعَدٍ نقله اللَّيْثُ قالَ : والكَسْرُ أَعَمُّ وأَعرفُ أَي كسرِ الباءِ ويُقَالُ : المِقْبَضُ مثلُ مِنْبَر وما رأَيْتُ أَحداً من الأَئمَّة ذكره والمقْبضة بهاءٍ فِيهنّ وهذه عن الأّزْهَرِيّ : مَا يُقْبَضُ عَلَيْهِ بجُمْعِ الكَفِّ من السَّيفِ وغيره كالسِّكِّين والقَوْسِ . وقال ابنُ شُمَيْلٍ : المقْبضَة : موضِعُ اليدِ من القناةِ . وقال أَبو عَمْرو : القُبَّض كرُكَّعٍ : دابَّةٌ تُشبه السُّلَحْفَاةَ وهي دونَ القُنْفُذِ إلاَّ أَنَّها لا شَوْكَ لها . والقَبْضَةُ بالفتح وضَمُّهُ أَكْثَرُ : مَا قَبَضْتَ عَلَيْهِ مِنْ شيءٍ . يُقَالُ : أَعْطاهُ قبْضَةً من السَّوِيقِ أَو من التَّمْرِ أَي كَفًّا مِنْهُ . ويُقَالُ : بالضَّمِّ اسمٌ بمعنى المَقْبوضِ كالغُرْفَةِ بمعنى المَغْروفِ . وبالفتحِ المَرَّة . وقَوْلُه تَعَالَى " فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسولِ " قالَ ابنُ جِنِّي : أَرادَ من تُرابِ أَثَرِ حافرِ فرس رَسُولُ الله ومثله مَسْأَلَةُ الكتابِ : أَنْتَ منِّي فَرْسَخَانِ أَي أَنْتَ منِّي ذو مَسافَةِ فَرْسَخَيْنِ . وقوله عَزَّ وَجَلّ : " والأَرْضُ جَميعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ القِيامَةِ " أَي في حَوْزَتِهِ حيث لا تَمْليكَ لأَحَدٍ . ويُقَالُ : رَجُلٌ قُبَضَةٌ رُفَضَةٌ كهُمَزَةٌ فيهما : مَنْ يُمْسِكُ بالشَّيْءِ ثمَّ لا يَلْبَثُ أَنْ يَدَعَه ويَرْفُضَه كما في الصّحاح . وهذا هو الصَّوابُ عِبَارَةُ المُصَنِّفِ تَقْتَضي أَنَّ هذا تفسيرُ قُبَضَةٍ وحدَهُ وليس كذلك . وقد سَبَقَ أَيْضاً في ر ف ض مِثْلُ ذلك . والقُبَضَةُ : الرَّاعي الحَسَنُ التَّدْبيرِ وعِبَارَةُ الصّحاح : راعٍ قُبَضَةٌ إِذا كانَ مُنْقَبِضاً لا يَتَفَسَّحُ في رَعْيِ غَنَمِه والذي قالهُ الأّزْهَرِيّ : يُقَالُ للرَّاعي الحَسَنِ التَّدْبيرِ الرَّفيقِ برَعِيَّتِه : إِنَّهُ لقُبَضَةٌ رُفَضَةٌ ومعنى ذلك أَنَّهُ يَقْبِضُها فيَسوقُها إِذا أَجْدَبَ لها المَرْتَعُ فإذا وَقَعَتْ في لُمْعَةٍ من الكَلإِ رَفَضَها حتَّى تَنْتَشِرَ فتَرْتَعَ . وكأَنَّ المُصَنِّفِ جَمَعَ بَيْنَ القوليْنِ فأَخَذَ شيئاً مِنْ عِبَارَةِ الأّزْهَرِيّ وشيئاً من عِبَارَة الصّحاح . والقِبِضَّى كزِمكَّى : ضربٌ من العَدْوِ فيه نَزْوٌ ويُروى بالصَّاد المُهملة وقد تقدَّم وبهما يُروى قَوْلُ الشّمّاخ يصفُ امرأتهُ :
" أَعَدْوَ القِبِضَّى قَبْلَ عَيْرٍ وما جَرَىولَمْ تَدْرِ مَا خُبْرِي ولَمْ أَدْرِ مَالَهاوالقَبيضُ من النَّاسِ : اللَّبيبُ المُقْبِلُ المُكِبُّ عَلَى صَنْعَتِه عن ابنِ عبَّاد . وأَقْبَضَ السَّيْفَ وكذا السِّكِّين : جَعَلَ لهُ مَقْبِضاً نقله الجَوْهَرِيّ . وقَبَّضَهُ المالَ تَقْبيضاً : أَعطاهُ في قَبْضَتِهِ أَي حوَّلَهُ إِلَى حَيِّزِهِ . وقَبَّضَ الشَّيْءَ تَقْبيضاً : جَمَعَهُ وزَواهُ . ومِنْهُ قَبَّضَ مَا بَيْنَ عَيْنَيْه وقد يكونُ مِنْ شدَّةٍ لخَوْفٍ أَو حَرْبٍ . وانْقَبَضَ الشَّيْءُ : انْضَمَّ . يُقَالُ : انْقَبَضَ في حاجَتِي أَي انْضَمَّ كما في العُبَاب . وقالَ اللَّيْثُ : انْقَبَضَ : سارَ وأَسْرَعَ . قالَ :
" آذَنَ جِيرانُك بانْقِبَاضِ وانْقَبَضَ الشَّيْءُ : ضدُّ انْبَسَطَ . قالَ رُؤْبَةُ :
" فَلَوْ رَأَتْ بِنْتُ أَبي فَضَّاضِ
" وعَجَلِي بالقوْمِ وانْقِباضِي والمُتَقَبِّضُ هكَذَا في سَائِرِ النُّسَخِ . وفي العُبَاب والتَّكْمِلَة : المُنْقَبِض : الأَسَدُ المُجْتَمِعُ والمُسْتَعِدُّ للوُثوبِ . والأَوْلى إسْقاطُ واوِ العطفِ فإِنَّ الصَّاغَانِيُّ جَعَلَهُ من صفَةِ الأَسَدِ . وأَنْشَدَ قَوْلَ النَّابِغَة الذُّبْيَانِيّ :
فقُلْتُ يا قوْمُ إنَّ اللَّيْثَ مُنْقَبِضٌ ... عَلَى بَراثِنِهِ لعَدْوِهِ الضَّارِي وتَقَبَّضَ عنهُ : اشْمَأَزَّ كما في الصّحاح . وتَقَبَّضَ إِلَيْه : وَثَبَ . وأَنْشَدَ الصَّاغَانِيُّ :
" يا رُبَّ أَبَّازٍ من العُفْرِ صَدَعْ
" تَقَبَّضَ الذِّئْبُ إِلَيْهِ واجْتَمَعْ وتَقَبَّضَ الجِلْدُ عَلَى النَّارِ وفي بعضِ نسخِ الصّحاح : في النَّارِ : انْزَوَى . وتَقَبَّضَ جِلْدُ الرَّجُلِ : تَشَنَّجَ . وممَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْه : التَّقْبيضُ : القَبْضُ الَّذي هو خِلافُ البَسْطِ عن ابنِ الأَعرابيّ . يُقَالُ : قَبَضَه وقَبَّضَهُ وأَنْشَدَ :
تَرَكْتُ ابنَ ذِي الجَدَّيْنِ فيهِ مُرِشَّةٌ ... يُقَبِّضُ أَحْشاءَ الجَبانِ شَهيقُها والتَّقْبيضُ أَيْضاً : التَّناوُلُ بأَطْرافِ الأَصابِعِ . وتَقَبَّضَ الرَّجُلُ : انْقَبَضَ . وتَقَبَّضَ : تَجَمَّعَ . وانْقَبَضَ الشَّيْءُ : صارَ مَقْبوضاً نَقَلَه الجَوْهَرِيّ . والقابِضُ في أَسْمَاءِ الله الحُسنى هو الَّذي يُمْسِكُ الرِّزْقَ وغيرَهُ من الأَشياءِ عنِ العِبادِ بلُطْفِهِ وحِكْمَتِهِ ويَقْبِضُ الأَرْواحَ عند المَمَات . في الحَدِيث : " يَقْبِضُ اللهُ الأَرْضَ ويَقْبِضُ السَّماءَ " أَي يَجْمَعُهُمَا . وقَبَضَ اللهُ روحَهُ : توَفَّاهُ وقابِضُ الأَرْواحِ عِزْرائِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ . والانْقِباضُ عنِ النَّاسِ : الانْجِماعُ والعُزْلَةُ . وقَبْضَةُ السَّيف : هي مَقْبِضُه أَو لُغَيَّةٌ . والقَبْضَةُ والقَبْضُ : المِلْكُ . يُقَالُ : هذه الدَّارُ في قَبْضَتي وقَبْضِي كما تقول في يَدِي . وتُجمعُ القَبْضَةُ عَلَى قُبَضٍ . ومِنْهُ حَديثُ بلالٍ والتَّمْر : " فَجَعَل يَجيءُ بِهِ قُبَضاً قُبَضاً " . والمَقْبَضُ كمَقْعَدٍ : المكانُ الَّذي يُقْبَضُ فيه نادِرٌ . والقَبْضُ في زِحافِ الشِّعْرِ : حَذْفُ الحرفِ الخامسِ السَّاكنِ من الجُزْءِ نحوُ النُّونِ مِنْ فَعُولُنْ أَيْنَما تَصَرَّفَتْ ونحوُ الياءِ مِنْ مَفَاعِيلُنْ . وكلُّ مَا حُذفَ خامسُه فهو مَقْبوضٌ وإِنَّما سُمِّيَ مَقْبوضاً ليُفْصَلَ بَيْنَ مَا حُذفَ أَوَّله وآخرُه ووَسَطُه . وتَقَبَّضَ عَلَى الأَمْرِ : توقَّفَ عَلَيْهِ . والقَبَاضُ كسَحَابٍ : السُّرْعَةُ . والقَبْضُ : السَّوقُ السًّريعُ : يُقَالُ : هذا حادٍ قابِضٌ . قالَ الرَّاجزُ :
" كَيْفَ تَراهَا والحُدَاةُ تَقْبِضُ
" بالغَمْلِ لَيْلاً والرِّحالُ تَنْغِضُ كذا في اللّسَان والصّحاح . قُلْتُ : وهو قَوْلُ ضَبٍّ ويُرْوى :
" كَيْفَ تَرَاهَا بالفِجَاجِ تَنْهَضُ
" بالغَيْل لَيْلاً والحُداةُ تَقْبِضُ تَقْبِضُ أَي تَسوقُ سَوْقاً سَريعاً . وأَنْشَدَ ابنُ بَرّيّ لأَبي مُحَمَّدٍ الفَقْعَسيّ :
هَلْ لكِ والعارِضُ مِنْكِ عائِضُ ... في هَجْمَةٍ يُغْدِرُ مِنْها القَابِضُوقد تقدَّم الكلامُ عَلَيْهِ في ع ر ض وفي ع و ض . قالَ الأّزْهَرِيّ : وإِنَّما سُمِّيَ السَّوْقُ قَبْضاً لأنَّ السائقَ للإِبْلِ يَقْبِضُها أَي يَجْمعُها إِذا أَرادَ سَوْقَها فإذا انْتَشَرَتْ عَلَيْهِ تعذَّرَ سَوْقُها . قالَ : وقَبَضَ الإبلَ يَقْبِضُها قَبْضاً : ساقَها سَوْقاً عَنيفاً . والعَيْرُ يَقْبِضُ عانَتَهُ : يَشُلَّها وعَيْرٌ قَبَّاضَةٌ : شَلاَّلٌ وكذلك : حادٍ قَبَّاضَةٌ وقبَّاضٌ . قالَ رُؤْبَةُ :
" أَلَّفَ شَتَّى لَيْسَ بالرَّاعي الحَمِقْ
" قَبَّاضَةٌ بَيْنَ العَنيفِ واللَّبِقْ قالَ ابنُ سِيده : دَخَلَتِ الهاءُ في قَبَّاضَةٍ للمُبالغة وقد انْقَبَضَ بها . والقَبْضُ : النَّزْوُ . وقال عَبْدَةُ بنُ الطَّبيبِ العَبْشَمِيُّ يصف ناقَتَهُ :
تَخْذِي به قُدُماً طَوْراً وتَرْجِعُهُ ... فَحَدُّه من وِلافِ القَبْضِ مَفْلُولُ ويُروى بالصَّاد المُهملة وقد نقدَّم . وقال الأَصْمَعِيُّ : يُقَالُ : مَا أَدري أَيُّ القَبيضِ هو كقولك : مَا أَدري أَيُّ الطَّمْشِ هو . وربَّما تكلَّموا به بغيرِ حرفِ النَّفْيِ . قالَ الراعي :
أَمْسَتْ أُمَيَّةُ للإسْلامِ حائِطَةً ... وللقَبيضِ رُعَاةً أَمْرُها الرَّشَدُ وذكر اللَّيْثُ هنا القَبيضَة كسَفينة من النِّساءِ : القصيرة . قالَ الأّزْهَرِيّ : هو تَصْحِيف . صوابُهُ القُنْبُضَةُ بالنُّون وسيأْتي للمُصنِّف . وذكرهُ الجَوْهَرِيّ هنا عَلَى أنَّ النُّونَ زائِدةٌ . والقَبيضَةُ كسَفينةٍ : القَبْضَةُ وبه قُرئ في الشَّاذّ : " فقَبَضْتُ قَبيضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ " نقله المُصَنِّفِ في البَصائِر . واقْتَبَضَ مِنْ أَثَرِهِ قَبْضَةً كقَبَضَ والصَّادُ لغةٌ فيه . وأَنْشَدَ في البَصائرِ لأَبي الجَهْمِ الجَعْفَرِيّ :
" قَالَتْ لهُ واقْتَبَضَتْ مِنْ أَثَرِهْ
" يا رَبُّ صاحِبْ شَيْخَنَا في سَفَرِهْ قيلَ لهُ كَيْفَ اقْتَبَضَتْ من أَثره ؟ قالَ : أَخَذتْ قَبْضَةً من أَثَرِه في الأَرْضِ فقبَّلتها . ويُستعارُ القَبْضُ للتَّصرُّفِ في الشَّيْءِ وإنْ لم يكنْ فيه ملاحَظة اليَدِ والكَفِّ نحوُ : قَبَضْتُ الدَّارَ والأَرْضَ أَي حُزْتُها . تَذْنيب : القَبْضُ عند المُحقِّقين من الصُّوفِيَّة نوعان : قَبْضٌ في الأَحوالِ وقَبْضٌ في الحَقائق . فالقَبْضُ في الأَحوالِ أَمرٌ يطرُقُ القلبَ ويمنعَهُ عن الانْبِساطِ والفَرَحِ وهو نوعان أَيْضاً : أَحدهُما مَا يُعرفُ سببه كتَذَكُّرِ ذَنْبٍ أَو تَفْريطٍ . والثَّاني : مَا لا يُعرفُ سببه بل يَهجم عَلَى القلبِ هُجوماً لا يُقدرُ عَلَى التَّخلُّص منه وهذا هو القَبْضُ المُشار إِلَيْه بأَلْسِنَةِ القوم وضدُّه البَسْطُ . فالقَبْضُ والبَسْطُ حالَتانِ للقَلْبِ لا يَكادُ يَنْفَكُّ عنهُما . ومنهمْ مَنْ جَعَلَ القَبْضَ أَقْساماً غيرَ مَا ذكَرْنا : قَبْضَ تأْديبٍ وقَبْضَ تَهْذيبٍ وقَبْضَ جمعٍ . وقَبْضُ تَفْريقٍ : فقَبْضُ التَّأْديب يكونُ عُقوبةً عَلَى غَفْلَةٍ وقَبْضُ التَّهذيبِ يكونُ إِعْداداً لبَسْطٍ عَظيمٍ يأتي بعدَهُ . فيكونُ القَبْضُ قبله كالمُقدِّمة لهُ . وقد جَرَتْ سُنَّةُ الله تَعالى في الأُمورِ النَّافعَةِ المَحْبوبَةِ يُدخَلُ إليها مِنْ أَبوابِ أَضْدادِها . وأَمَّا قَبْضُ الجَمْع فهو مَا يحصُل للقلبِ حالَةَ جَمْعِيَّتِهِ عَلَى اللهِ من انْقِباضِه عن العالمِ وما فيه قلا يبقى فيه فَضْلٌ ولا سَعَةٌ لغيرِ من اجتمعَ عَلَيْهِ قَلْبُهُ . وفي هذه مَن أَرادَ مِنْ صاحِبِه مَا يَعْهَدُهُ مِنْهُ من المُؤانسَةِ والمُذاكرَةِ فقد ظَلَمَهُ . وأَمَّا قَبْضُ التَّفرقَةِ فهو الَّذي يَحصُلُ لمن تَفَرَّقَ قلبُهُ عن الله وتَشَتَّت في الشِّعاب والأَودِيَةِ فأَقَلُّ عُقوبَتِهِ مَا يجدهُ من القَبْض الَّذي ينتَهي معه الموتُ . وثَمَّ قَبْضٌ آخَرُ خَصَّ الله به ضَنائنَ عِبادِهِ وخَوَاصَّهم وهم ثلاثُ فرقٍ . وتَحقيقُ هذا المَحَلِّ في كُتُبِ التَّصَوُّفِ وفي هذا القدر كفَايَةٌ