مُنْذُ بَسِيطٌ ويأْتي له ما يُعَارضه مِن ذِكْر الأَقوال الدَّالَّة على الترْكِيب مَبْنِيٌّ على الضَّمِّ . ومُذْ مَحْذُوفٌ مِنه وقد ذكرَه ابنُ سيده وغيره في مذمذ والصواب هنا وفي الصحاح : مُنْذُ مبنيٌّ على الضمّ ومُذْ مَبْنِيٌّ على السُّكون وتَكْسَر مِيمُها أَمَّا كسْر مِيمِ مُنذ فقد حكِيَ عن بني سُلَيْم يقولون : ما رأيْتُه مِنْذُ سِتٌّ بكسر الميم ورفع ما بَعْدَه وحكَى الفرّاءُ عن عُكْلٍ : مِذُ يومانِ بطرْح النون وكسر الميم وضم الذّال ويَلِيهِمَا اسمٌ مَجْرُورٌ وحينئذٍ فهما حَرْفَا جَرٍّ فُيجرّ ما بعدها ويكونان بِمَعْنَى مِنْ في الماضِي وبمعنى فِي في الحَاضِرِ وبمعنى مِن وإِلى جَميعاً في المَعْدُودِ كما رَأَيْتُه مُنْذُ يومِ الخَمِيسِ وفي التهذيب : قد اختلَفتِ العَربُ في مذ ومنذ فبعضهم يخْفِض بمذْ ما مضَى ويخفض بمنذ ما لم يمض وما مضى وما لم يَمْضِ وبعضهم يَرْفَع بمنذ ما مَضَى وما لَمْ يَمْضِ . والكلامُ أَن يُخْفَضَ بمذ ما لم يَمْضِ . ويُرْفع ما مضى وهو المُجْمَعُ عليه . يليهما اسمٌ مَرْفُوعٌ كمُنْذُ يَوْمَانِ وحينئذٍ مُبْتَدَآنِ ما بعدهما خَبَرٌ ومَعناهما الأَمَدُ في الحاضرِ والمَعْدُودِ وَأَوَّل المُدَّةِ في الماضِي وفي الصحاح : ويَصلُح أَن يَكونا اسمَينِ فتَرْفَع ما بعدهما على التاريخِ أَو على التَّوقيِتِ وتقول في التاريخ : ما رأَيته مُذْ يومُ الجُمعَة وتقول في التوقيت ما رأَيته مُذْ سَنَةٌ أَي أَمَدُ ذلك سَنَةٌ ولا يقع ها هنا إلا نكرة فلا تقول مذ سنة كذا وإنما تقول مذ سنة أَو ظَرْفَانِ مُخْبَرٌ بِهما عَمَّا بَعْدَهما ومعناهما بَيْنَ وبَيْنَ كلَقِيتُه مُنْذُ يَوْمانِ أَي بَيْنِي وبَيْنَ لِقَائِه يَوْمَانِ وقد رَدَّ هذا القولَ ابنُ الحاجِب وهذَّبَه البَدْرُ في تُحْفة الغريبِ قاله شيخنا وتَلِيهما الجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ نحو قولِ الشاعر :
" مَا زَالَ مُذْ عَقَدتْ يَدَاهُ إِزَارَه أَو الجملة الاسْمِيَّة نحو قول الشاعر :
" ومَا زِلْتُ أَبْغِي المَالَ مُذْ أَنَا يافِعٌ
وحِينئذٍ هما ظَرْفَانِ مضافان إِلى الجُمْلَةِ أَو إِلى زَمَانٍ مُضافٍ إِليها أَي إِلى الجملة وقِيل : مُبْتَدآنِ . أَقوالٌ بَسطَها العلاَّمة ابنُ هِشَامٍ في المَغنى وأَصْل مُذْ مُنْذُ لرجوعِهِمْ إِلى ضَمِّ ذالِ مُذْ عِنْدَ مُلاقاةِ السكِنيْنِ كمُذُ اليَوْمِ ولولا أَنَّ الأَصْلَ الضمُّ لكَسَرُوا . وفي المحكم : قولُهُمْ ما رأَيْتُه مُذُ اليوم حَرَّكوها لالتقاءِ الساكِنين ولم يَكْسِرُوهَا لكنهم ضَمُّوها لأَن أَصلها الضمُّ في مُنذ قال ابنُ جِنِّي لكنه الأَصلُ الأَقْرَبُ أَلاَ تَرَى أَنّ أَوَّلَ حالِ هذه الذال أَن تكون ساكنةً وإِنما ضُمَّت لالتقاءِ الساكِنينِ إِتْبَاعاً لضَمَّةِ الميم فهذا على الحَقِيقَة هو الأَصْلُ الأَوّلُ قال : فأَمّا ضَمُّ ذالِ مُنذ فإِنما هو في الرُّتْبَة بعد سكونها الأَوّل المقَّدر ويَدُلُّك على أَنّ حَرَكَتها إِنما هي لالتقاءِ الساكنين أَنه لمَّا زالَ التقاؤُهما سكَنَتِ الذالُ فضَمُّ الذال إِذاً في قولهم مُذُ اليوم ومُذُ الليلَة إِنما هو رَدٌّ إِلى الأَصل الأَقربِ الذي هو منذُ دون الأَصل الأَبْعَد الذي هو سكون الذال في مُنذ قبل أَن تُحَرَّك فيما بعد ولِتَصْغِيرِهم إِيَّاهُ مُنَيْذٌ قال ابنُ جَنِّي : قد تُحْذَف النون من الأَسماءِ عَيْناً في قولهم مُذ وأَصله مُنْذُ ولو صَغَّرْتَ مَذ اسم رَجُلٍ لقلْتَ مُنَيْذ ورددت النونَ المَحْذُوفَةَ لَيَصِحّ لك وَزْنُ فُعَيْل . قلْت : وقد رُدَّ هذا القولُ أَيضاً كما هو مبسوطٌ في شُرُوحِ الفَصِيح أَو إِذَا كانَتْ مُذْ اسْماً فأَصْلُهَا مُنْذُ أَو حَرْفاً فهي أَصْلٌ . وهذا التفصيل هو الذي جَزَم به المالقيّ في رصف المَباني . ويُقال : مَا لَقِيتُه مُنْذَ اليَوْمِ ومُذَ اليَوْمِ بفتح ذالِهما أَو أْصْلُهما مِن الجَارَّةُ وذُو بمعنَى الَّذي قال الفرّاء في مذ ومنذ : هما حَرفانِ مبنيّانِ من حرفينِ : من " من " ومن " ذو " التي بمعنى الذي في لغة طَيِّئٍ فإِذا خُفِض بهما أُجرِيَتَا مُجْرَى مِنْ وإِذا رُفع بهماما بعدَهما بإِضمارٍ كان في الصِّلَة كأَنَّه قال مِن الذي هو يومانِ قال : وغَلَّبُوا الخَفْضَ في منذ لظهورِ النون . أَو مركب مِنْ مِنْ وإِذْ حُذِفت الهَمْزةُ لكثرةِ دَوَرَانِها في الكلامِ وجُعِلَتْ كلمةً واحدةً فالتَقَى سَاكِنان فضُمَّ الذَّالُ وقال سيبويه : مُنذ للزمانِ نظيرُه مِنْ للمكان وناسٌ يقولون إِن في الأَصل كلمتانِ : مِن إِذ جُعِلتا واحدةً قال : وهذا القول لا دليلٌ على صِحَّته أَو أَصْلُها مِنْ ذَا اسْم إِشَارَةٍ فالتقديرُ في : ما رأَيتُه مُذْ يَومانِ من ذا الوَقْتِ يَوْمَانِ وفي كلٍّ تَعَسُّفٌ وخُروجٌ عن الجَادَّة وقال ابن بُزُرْج يقال : ما رأَيته مُذ عامِ أَوَّلَ وقال أَبو هلالٍ : مذ عاماً أَوَّلَ وقال الآخَرُ : مذ عامٌ أَوَّلُ ومذ عامٌ الأَوَّلِ وقال نَجَّاد : مُذْ عامٌ أَوَّلُ وقال غيرُه : لم أَرَه مُذ يومانِ ولم أَره منذ يَومينِ يُرفع بمذ ويُخفض بمنْذ . وفي المحكم : مُنْذُ : تَحْدِيدُ غايَةٍ زَمَانيَّة النون فيها أَصلِيَّة رُفِعت على تَوَهُّمِ الغَايَةِ . وفي التهذيب : وقد أَجمعت العربُ على ضَمّ الذال مِن منذ إِذا كان بعدها مُتَحَرِّك أَو ساكِنٌ كقولك : لم أَره منذُ يَوْم ومَنْذُ اليوم وعلى إٍسكان مُذ إِذا كان بعدها مَتَحَرِّك وبتحريكها بالضمّ والكسر إِذا كانت بعدها أَلِفُ وَصْلٍ كقولك لم أَره مُذْ يومانِ ولم أَره مُذُ اليوم . وقال اللِّحيانيُّ : وبنو عُبَيْدٍ من غَنيٍّ يُحَرّكون الذالَ مِن مُذ عند المُتَحَرِّك والساكن ويرفَعون ما بَعْدَها فيقولُون مُذُ اليَوْمُ وبعضهم يكسِر عند الساكنِ فيقول مُذِ اليومُ قال : وليس بالوَجْه قال بعض النحويين ووَجُهُ جَوازِ هذا عِندي على ضَعْفِه أَنه شَبَّه ذالَ مُذ بدالِ قَدْ ولامِ هَلْ فكسَرَهَا حين احتاجَ إِلى ذلك كما كسرَ لامَ هَلْ ودال قَدْ وقال : بنو ضَبَّةَ والرِّبَابُ يَخْفِضُون بمذْ كُلَّ شيءٍ قال سيبويهِ : أَما مذْ فتكون ابتداءَ غايةِ الأَيّامِ والأَحيانِ كما كانت مِنْ فيما ذَكَرْتُ لك ولا تدخلُ واحدةٌ مِنهما على صاحِبَتها وذلك قولُك : ما لَقيتُه مُذ يوم الجمعة إِلى اليوم ومُذْ غُدْوَة إلى الساعة ومالقيته مُذ اليومِ إِلى ساعتك هذه فجعلت اليومَ أَوَّل غايتِك وأُجْرَيْتَ في بَابها كما جَرَتْ مِن حيث قلت مِنْ مكانِ كذا إِلى مكانِ كذا وتقول : ما رأَيته مذ يومينِ فجعلته غايةً كما قلت أَخذتُه من ذلك المكان فجعلْتَه غايةً ولم تُرِد مُنْتَهًى . هذا كلّه قولُ سيبويه والخلاف في ذلك مَبْسُوط في المُطَوَّلات . لقيته مُذ اليومِ إِلى ساعتك هذه فجعلت اليومَ أَوَّل غايتِك وأُجْرَيْتَ في بَابها كما جَرَتْ مِن حيث قلت مِنْ مكانِ كذا إِلى مكانِ كذا وتقول : ما رأَيته مذ يومينِ فجعلته غايةً كما قلت أَخذتُه من ذلك المكان فجعلْتَه غايةً ولم تُرِد مُنْتَهًى . هذا كلّه قولُ سيبويه والخلاف في ذلك مَبْسُوط في المُطَوَّلات