[سبأ آية 19]فَقالُوا رَبَّنَا باعِدْ بَيْنَ أسْفارِنَا. (قرآن).
البُعْدُ بالضَمّ : ضِدُّ القُرْب وقيل خِلاف القُرْب وهو الأَكثر وهو م أَي معروف . والبُعْد : المَوْتُ . والّذي عَبَّرَ به الأَقدمون أَنّ البُعْد بمعنَى الهلاكِ كما في الصّحاح وغيره ويقال إِنّ الّذي بمعنَى الهلاكِ إِنّما هو البَعَد محركةً وفِعلُهما ككَرُمَ وفَرِحَ - ظَاهِرُه أَن فِعلهما مَعاً من البابين بالمَعنَيين وليس كذلك فإِنّ الأَكثرَ على منْع ذلك والتفرقَةِ بينهما وأَنَّ البعد الّذي هو خِلاف القُرْب الفِعل منه بالضمّ ككَرُمَ والبَعَد محرَّكةً الذي هو الهَلاك الفِعْل منه بَعِدَ بالكَسْر كفَرِح . ومَنْ جوَّزَ الاشتراكَ فيهما أَشار إِلى أَفصحِيَّة الضّمّ في خِلافِ القُرْب وأَفصحيّة الكسرِ في معنَى الهلاكِ حَقَّقَه شيخنا - بُعْداً بضمّ فسكون وبَعَداً . محرَّكةً قال شيخُنَا : فيه إِيهامُ أَنَّ المصدرين لكلٍّ من الفِعلين والصّواب أَنّ الضّمّ للمضموم نَظير ضِدِّه الذي هو قَرُبَ قُرْباً والمحّرك للمكسور كفَرِحَ فَرَحاً . انتهى . قلت : والّذي في المحكم واللِّسان : بَعِدَ بَعَداً وبَعُد : هَلَكَ أَو اغترَبَ فهو باعِدٌ . والبُعْد : الهَلاَكُ قال تعالى : " أَلاَ بُعْداً لِمَدْيَنَ كمَا بَعْدَتْ ثَمود " . وقال ملكُ بنُ الرَّيب المازنيّ : يَقُولونَ لا تَبْعَدْ وهُم يَدْفُنِونَنِي وأَين مَكَانُ البُعْدِ إِلاّ مكانيَا وقرأَ الكسائيّ والنّاسُ : كما بَعِدَتْ وكان أَبو عَبدِ الرحمن السُّلَمِيّ يَقرَؤُهَا بَعُدَتْ يجعَلُ الهلاكَ والبُعْد سواءً وهما قريبٌ من السَّواءِ إِلاَّ أَن العرب بعضهم يقول بَعِدَ وبعضُهم يقول بَعُدَ مثل سَحِقَ وسَحُقَ . ومن النّاس مَن يَقول بَعُد في المكان وبَعِدَ في الهَلاك . وقال يونسُ : العرب تقول بَعِدَ الرَّجُلُ وبَعُدَ إِذا تباعدَ في غير سَبٍّ . ويقال في السَّبِّ : بَعِدَ وسَحِقَ لا غير انتهى . فالَّذِي ذَهبَ إِليه المصنّف هو المُجْمَعُ عليه عند أَئِمَّة اللُّغةِ والّذي رَجَّحَه غيرُ المصنّف هو قول بعضٍ منهم كما تَرَى . فهو بَعِيدٌ وباعِدٌ وبُعَادٌ الأَخير بالضّمّ عن يبويه قيل : هو لُغة في بَعِيد ككُبَارٍ في كَبير . ج بُعَدَاءُ ككُرَمَاءَ وافق الذينَ يَقولونَ فَعِيل الذين يقولون فُعَال لأَنهما أُختانِ . وقد قيل بُعُدٌ بضمّتَين كقَضيبٍ وقُضُبٍ وينشد قَول النابغة :
" فتِلْكَ تُبْلِغُني النُّعْمَانَ إِنَّ لهفَضْلاً على النَّاسِ في الأَدْنَى وفي البُعُدِوضبطَه الجوهريّ بالتحريك جمع باعد كخادمٍ وخَدَمٍ . وبُعْدَانٌ كرَغيفٍ ورُغْفَانٍ . قال أَبو زيد : إِذا لم تكن من قُرْبانِ الأَميرِ فكُنْ مِن بُعْدانِه أَي تَباعَدْ عنه لا يُصِبْك شَرُّه . وزاد بعضُهم في أَوزان الجموع البِعَادَ بالكسر جمْع بَعيدٍ ككَريمٍ وكِرَامٍ . وقد جاءَ ذلك في قَول جريرٍ . ورجلٌ مِبْعَد كمِنْجَل : بَعيدُ الأَسْفَارِ . قال كُثيِّر عزّةَ : مُنَاقِلَةً عُرْضَ الفَيَافِي شِمِلَّةً مَطِيّةَ قَذَّافٍ على الهَوْلِ مِبْعَدِ وبُعْدٌ باعِدٌ مُبالَغَةٌ . وإِنْ دَعوتَ به قلْت : بُعداً له المختار فيه النّصب على المصدريّة . وكذلك سُحْقاً له أي أبعده الله أي لا لا يرثى له فيما نَزَلَ به . وتميم تَرفَع فتقول : بُعدٌ له وسُحْقٌ كقولك : غلامٌ له وفَرسٌ . وقال ابن شُميل : رَاودَ رَجلٌ من العرب أَعرابيّةً فأَبَت إِلاّ أَن يَجعَلَ لها شيئاً فجعلَ لها دِرْهَمين فلما خالطَها جعلت تقول : غَمْزاً ودِرْهماكَ لك فإِن لم تَغمِز فبُعْدٌ لك . رَفَعَت البُعْدَ . يُضرَب مَثلاً للرَّجُل تراه يَعمل العَملَ الشديدَ . والبُعْد بضم فسكون والبِعَاد بالكسر : اللَّعْن منه أَيضاً . وأَبعدَه اللّهُ : نَحَّاه عن الخَيْر أَي لا يُرْثَى له فيما نَزلَ به . وأَبعده : لعَنَهُ وغَرَّبَه . وبَاعَدَه مُبَاعَدَة وبِعاداً وباعَد اللّهُ ما بينهما وبَعَّدَه تَبعيداً ويُقرأُ " رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا " . وهو قِرءَاة العَوام . قال الأَزهَريّ : قرأَ أَبو عَمرٍو وابن كَثير بَعِّدْ بغير أَلف وقرأَ يعقوبُ الحضرميّ " رَبُّنا باعَدَ " بالنَّصْب على الخَبر . وقرأَ نافع وعاصم والكسائيّ وحمزة باعِدْ بالأَلف على الدعاءِ . وأَبْعَدَه غيرُه . وَمنزِلٌ بَعَدٌ بالتحريك : بَعيدٌ . وقولهم : تَنَحَّ غيرَ بَعيدٍ وغيرَ باعدٍ وغير بَعَدِ محرَّكَةً أَي كنْ قريباً وغير بَاعِدٍ أَي غَيْرَ صاغرٍ قاله الكسائي . ويقال : انطلقْ يا فلانُ غيرَ باعدٍ أَي لا ذَهَبْتَ . ويقال : إِنّه لغيرُ أَبْعَدَ وهذه عن ابن الأَعرابيّ . وغير بُعَدٍ كصُرَد إِذا ذمَّه أَي لا خَيْرَ فيه . وعن ابن الأَعرابيّ : أَي لا غَوْرَ له في شيْءٍ . وإِنّه لذُو بُعْدٍ . بضمّ فسكون وبُعْدَةٍ بزيادة الهاءِ وهذه عن ابن الأَعرابيّ أَي لذو رأْيٍ وحَزْم . يقال ذلك للرّجُل إِذا كان نافذَ الرَّأْيِ ذا غَوْرٍ وذا بُعْدِ رَأْيٍ . ويقال : ما عندَه أَبعَدُ أَو بُعَدٌ كصُرَد أَي طائلٌ ومثله في مجمع الأَمثال . وقال رجلٌ لابنه : إِن غَدَوْتَ على المِرْبَد رَبِحْتَ عَنَاءً أَو رَجَعْت بغير بُعَدٍ أَي بغَير منفعة . وقال أَبو زيد يقال : ما عندك بُعَدٌ وإِنك لغيرُ بُعَد أَي ما عندك طائلٌ . إِنّمَا تقول هذا إِذا ذَمَمْتَه . قال شيخنا : يمكن أَن يُحمل ما هنا على معنَى الّذي أَي ما عنده من المطالب أَبعدُ مما عنده غيره ويجوز أَن تُحمَل على النَّفْيِ أَي ليس عنده شيءٌ يُبعِدُ في طَلبِه أَي شيْءٌ له قيمةٌ أَو مَحلّ . وَبَعْدُ ضدُّ قَبْل يعني أَنّ كلاًّ منها ظَرفُ زَمانٍ كما عُرِفَ في العربيّة ويكونان للمكان كما جوَّزَه بعض النُّحاة يُبنَى مُفْرَداً أَي عن الإِضافة لكن بشرطِ نِيّة مَعنَى المضافِ إِليه دون لفظه كما قرّر في العربيّة ويُعْرَب مَضافاً أَي لأَنَّ الإِضافة تُوجِب توغُّلَه في الاسميّة وتُبِعده عن شَبَه الحروف فلا مُوجبَ معها لبنائه . وحُكِيَ : مَنْ بَعْدٍ أَي بالجر وتنوين آخره وقد قُرِىء به قوله تعالى : " للّهِ الأَمرُ مِنْ قَبْل ومِنْ بَعْد " بالجر والتنوين كأَنَّهم جَرَّدوه عن الإِضافَة ونِيّتها . وحكى أَيضاً افعَلْ كذا بَعْداً بالتنوين منصوباً . وفي المصباح وبَعْد ظَرفٌ مُبهَمٌ لا يُفهَم معناه إِلإِ بالاضافَة لغيره وهو زَمانٌ متراخٍ عن الزَّمَان السابقِ فإِنْ قَرُبَ منه قيلَ : بُعَيْدَه بالتصغير كما يقال قَبْل العصْر فإِذا قَرُب قيل قُبَيْل العَصْر بالتصغير أَي قريباً منه . وجاءَ زَيدٌ بعْدَ عمرو أَي مُتراخِياً زَمانُه عن زَمانِ مجيءِ عَمْرٍو . وتأْتي بمعنَى مَعَ كقوله تعالى : " فَمَن اعْتدَى بَعْدَ ذلك " أَي مع ذلك . انتهى . وقال اللَّيثُ : بَعْد كلمةٌ دالّة على الشيْءِ الأَخيرِ تقول : هذا بعدَ هذا منصوب . وحَكى سيبويه أَنّهُم يقولونمن بَعدٍ فُينكِّرونه وافْعَلْ هذا بعْداً . وقال الجوهريّ : بَعدُ نَقيضُ قَبلُ وهما اسمان يكونان ظَرفَين إِذا أُضِيفَا وأَصْلهما الإِضافة فمَتى حذفت المضاف إِليه لعِلْم المخاطَب بَنَيتَهما على الضّمّ ليُعلمَ أَنّه مَبنيّ إِذ كان الضّمّ لا يَدخلهما إِعراباً لأَنّهما لا يَصلُح وقُوعُهما مَوْقِعَ الفاعِلِ ولا مَوْقعَ المبتدإِ ولا الخَبَر . وفي اللِّسان : وقوله تعالى : " للّه الأَمرُ مِنْ قَبْلُ ومِن بَعْدُ أَي من قبلِ الأَشياءِ ومِن بَعدِهَا أَصلهما هنا الخَفضُ ولكنْ بُنِيَا على الضمّ لأَنّهما غايتانِ فإِذا لم يكونَا غايةً فهما نَصْبٌ لأَنّهما صِفة . ومعنَى غايةٍ أَي أن الكلمة حذفت منها الإضافة وجُعلَتْ غَايَةُ الكَلِمَة ما بقيَ بعد الحذْف . وإِنّمَا بُنيتا على الضّمّ لأَنّ إِعرابَهما في الإِضافة النّصب والخفض تقول : رأَيتُه قَبلَك ومِن قَبلِك ولا يُرفعان لأَنَّهما لا يُحدَّث عنهما استعملاَ ظَرفَين فلمَّا عُدِلاَ عن بابهما حُرِّكا بغير لحَرَكَتَيْن اللَّتَيْنِ كا نَتَا له يَدخلان بحقّ الإِعراب . فأَمّا وُجُوبُ بنائهما وذَهاب إِعرابهما فلأَنَّهُمَا عُرِّفا من غير جهةِ التعرِيفِ لأَنّه حُذِف منهما ما أُضيفَتَا إِليه والمعنَى . للّهِ الأَمرُ من قَبلِ أَن تُغلَبَ الرُّوم ومن بَعدِما غَلبَتْ . وحكَى الأَزهَرِيّ عن الفرّاءِ قال : القِرَاءَة بالرّفع بلا نون لأَنّهما في المعنَى تراد بهما الإِضافَة إِلى شيْءٍ لا محالَة فلمَّا أَدّتَا غير معنَى ما أُضِفَتَا إِليه وُسِمَتَ بالرَّفْع وهما في موضعِ جَرٍّ ليكون الرَّفْعُ دَليلاً على ما سَقَطَ . وكذلك ما أَشبههما وإِن نوَيتَ أَن تُظهرَ ما أُضِيف إِليه وأَظهرْتَهُ فقلْت : للّهِ الأَمرُ من قبلِ ومن بعدِ جازَ كأَنَّك أَظهرْتَ المخفوضَ الّذِي أَضَفْتَ إِليه قَبْل وبَعْد . وقال ابن سيده : ويُقرأُ : " للّه الأَمرُ من قَبْلٍ ومن بَعْد " يجعلونهما نَكرتَين المعنَى : للّه الأَمرُ من تَقَدُّمٍ ومن تأَخُّرٍ . والأَوّلُ أَجوَدُ . وحكى الكسائيّ " للّه الأَمْرُ مِن قَبْلِ ومن بَعْدِ " بالكسر بلا تنوين . واسْتَبْعَدَ الرَّجُلُ إِذا تَبَاعَدَ . واستبعدَ الشَّيءَ : عَدَّه بعيداً . وقولهم : جِئت بَعْدَيْكما أَي بَعدَكما قال : بَعدٍ فُينكِّرونه وافْعَلْ هذا بعْداً . وقال الجوهريّ : بَعدُ نَقيضُ قَبلُ وهما اسمان يكونان ظَرفَين إِذا أُضِيفَا وأَصْلهما الإِضافة فمَتى حذفت المضاف إِليه لعِلْم المخاطَب بَنَيتَهما على الضّمّ ليُعلمَ أَنّه مَبنيّ إِذ كان الضّمّ لا يَدخلهما إِعراباً لأَنّهما لا يَصلُح وقُوعُهما مَوْقِعَ الفاعِلِ ولا مَوْقعَ المبتدإِ ولا الخَبَر . وفي اللِّسان : وقوله تعالى : " للّه الأَمرُ مِنْ قَبْلُ ومِن بَعْدُ أَي من قبلِ الأَشياءِ ومِن بَعدِهَا أَصلهما هنا الخَفضُ ولكنْ بُنِيَا على الضمّ لأَنّهما غايتانِ فإِذا لم يكونَا غايةً فهما نَصْبٌ لأَنّهما صِفة . ومعنَى غايةٍ أَي أن الكلمة حذفت منها الإضافة وجُعلَتْ غَايَةُ الكَلِمَة ما بقيَ بعد الحذْف . وإِنّمَا بُنيتا على الضّمّ لأَنّ إِعرابَهما في الإِضافة النّصب والخفض تقول : رأَيتُه قَبلَك ومِن قَبلِك ولا يُرفعان لأَنَّهما لا يُحدَّث عنهما استعملاَ ظَرفَين فلمَّا عُدِلاَ عن بابهما حُرِّكا بغير لحَرَكَتَيْن اللَّتَيْنِ كا نَتَا له يَدخلان بحقّ الإِعراب . فأَمّا وُجُوبُ بنائهما وذَهاب إِعرابهما فلأَنَّهُمَا عُرِّفا من غير جهةِ التعرِيفِ لأَنّه حُذِف منهما ما أُضيفَتَا إِليه والمعنَى . للّهِ الأَمرُ من قَبلِ أَن تُغلَبَ الرُّوم ومن بَعدِما غَلبَتْ . وحكَى الأَزهَرِيّ عن الفرّاءِ قال : القِرَاءَة بالرّفع بلا نون لأَنّهما في المعنَى تراد بهما الإِضافَة إِلى شيْءٍ لا محالَة فلمَّا أَدّتَا غير معنَى ما أُضِفَتَا إِليه وُسِمَتَ بالرَّفْع وهما في موضعِ جَرٍّ ليكون الرَّفْعُ دَليلاً على ما سَقَطَ . وكذلك ما أَشبههما وإِن نوَيتَ أَن تُظهرَ ما أُضِيف إِليه وأَظهرْتَهُ فقلْت : للّهِ الأَمرُ من قبلِ ومن بعدِ جازَ كأَنَّك أَظهرْتَ المخفوضَ الّذِي أَضَفْتَ إِليه قَبْل وبَعْد . وقال ابن سيده : ويُقرأُ : " للّه الأَمرُ من قَبْلٍ ومن بَعْد " يجعلونهما نَكرتَين المعنَى : للّه الأَمرُ من تَقَدُّمٍ ومن تأَخُّرٍ . والأَوّلُ أَجوَدُ . وحكى الكسائيّ " للّه الأَمْرُ مِن قَبْلِ ومن بَعْدِ " بالكسر بلا تنوين . واسْتَبْعَدَ الرَّجُلُ إِذا تَبَاعَدَ . واستبعدَ الشَّيءَ : عَدَّه بعيداً . وقولهم : جِئت بَعْدَيْكما أَي بَعدَكما قال :أَلاَ يا اسْلَمَا يا دِمْنَتَيْ أُمِّ مالكٍ ... ولا يَسْلماً بَعدَيْكُما طَللانِ وفي الّصحاح : رأَيْته وقال أَبو عُبيد : يقال : لَقِيته بُعَيداتِ بَيْن بالتصغير إِذا لَقيتَه بعد حِين . وقيل بَعِيدَاتِهِ مُكبّراً وهذه عن الفَرّاءِ أَي بُعَيدَ فِرَاق وذلك إِذا كان الرّجلُ يُمسِك عن إِتيانِ صاحِبه الزّمَانَ ثمّ يُمسك عنه نحْوَ ذلك أَيضاً ثمّ يأْتِيه . قال : وهو من ظُروف الزَّمَان التي لا تَتمكّن ولا تُسْتعمل إِلاّ ظَرفاً . وأَنشد شَمِرٌ :
وأَشْعَثَ مُنْقَدِّ القَمِيصِ دَعَوْتُه ... بُعَيْدَاتِ بَيْنٍ لا هِدَانٍ ولا نِكْسِ ومثله في الأَساس . ويقال : إِنّها لتَضْحكُ بُعيداتِ بَيْنٍ أَي بينَ المرّةِ ثمَّ المَرَّةِ في الحِين . وأَمَّا بَعْدُ فقد كان كذا أَي إِنَّما يريدون أَمّا بَعْدَ دُعائِي لك . فإِذا قلْت أَمّا بعدُ فإِنّك لا تُضِيفه إِلى شيْءٍ ولكنك تَجعله غايةً نَقيضاً لقبْل . وفي حديث زيدِ بن أَرقمَ أَنَّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خَطَبَهم فقال : أَمّا بَعْدُ تقدير الكلام : أَمّا بعدَ حَمْدِ اللّه . وأَوَّلُ مَنْ قاله دَاوُودُ عليه السّلامُ كذا في أَوَّليّاتِ ابن عَسَاكِرَ ونقله غيرُ واحِد من الأَئمّة وقالُوا : أَخرَجَه ابن أَبي حاتم والدَّيْلميّ عن أَبي موسى الأَشعريّ مرفوعاً . ويقال : هي فَصْلُ الخِطَاب ولذلك قال عزّ وجلّ " وآتَيْنَاهُ الحِكْمَةَ وفَصْلَ الخِطَابِ " أَو كَعْبُ بن لُؤَيٍّ زعمه ثَعلب . وفي الوسائل إِلى معرفة الأَوائل : أَوّلُ من قال أَمّا بَعدُ داوودُ عليه السّلامُ لحديث أَبي موسى الأَشعرِيّ مروعاً وقيل : يَعْقُوبُ عليه السلامُ لأَثَرٍ في أَفرادِ الدَّارَقُطْني وقيل قُسّ بن ساعدةَ كما للكلبيّ وقيل يَعْرُب بن قَحطان وقيل كَعْب بن لُؤَيّ . ويقال : هو مُحْسِنٌ للأَباعدِ والأَقارِبِ الأَباعِد : ضِدّ الأَقارب . وقال اللَّيْث : يقال هو أَبْعَدُ وأَبعَدُونَ وأَقرَبُ وأَقربُونَ وأَبَاعِدُ وأَقارِبُ . وأَنشد :
مِنَ النَّاسِ منْ يَغْشَى الأَباعِدَ نَفْعُه ... ويَشْقَى بِه َى الممَاتِ أَقارِبُهْ
فإِنْ يَكُ خَيْراً فالبَعيدُ يَنالُه ... وإِنْ يَكُ شَرّاً فابنُ عمِّك صاحِبُه وقولهم : بَيننا بُعْدَةٌ - بالضّمّ - من الأَرضِ ومِنَ القَرَابَة . قال الأَعشي :
بأَنْ لا تَبَغَّي الوُدَّ من مُتباعِدٍ ... ولا تَنْأَ من ذي بُعْدَةٍ إِنْ تَقَرَّبَا وبَعْدَانُ كسَحْبانَ : مِخلافٌ باليَمَن مشهورٌ وقد نُسِبَ إِليه جُملةٌ من الأَعيانِ . ومما يستدرك عليه قولهم : ما أَنت منا ببعَيدٍ وما أَنتم منا ببَعيد يَستوِي فيه الواحد والجمع وكذلك ما أَنتَ ببَعَدٍ وما أَنتم منَّا ببَعَدٍ أَي بَعيد . وإِذا أَردْتَ بالقَرِيبِ والبَعِيدِ قَرَابَةَ النَّسَبِ أَنثْتَ لا غير لم تَختلف العربُ فيها . والأَبْعَدُّ مُشدَّدَ الآخِر في قول الشاعر :
مَدّاً بأَعناقِ المَطِيِّ مَدّاً ... حتَّى تُوافِي المَوْسمَ الأَبعَدّاَفلضرورة الشِّعر . والبُعَداءُ : الأَجانبُ الّذِين لا قَرَابَةَ بينهم قاله ابن الأَثير . وقال النضْر في قولهم : هَلَكَ الأَبعَدُ قال : يعنِي صاحِبَه وهكذا يقال إِذا كَنَى عن اسمه . ويقال للمرأَة : هَلَكَتِ البُعْدى . قال الأَزهريّ : هذا مثْل قولهم : فلا مَرْحباً بالآخَر إِذا كَنَى عن صاحبه وهو يَذُمُّه . ويقال : أَبَعَدَ اللّه الأَخَرَ قلْت : الأَخَر هكذا في نُسخ الّصحاح وعليها علامة الصِّحّة فليُنظر . قال : ولا يقال للأُنثى منه شيْءٌ . وقولهم : كَبَّ اللّهُ الأَبعَدَ لفِيهِ أَي أَلقاه لوَجْهه . والأَبعَدُ : الحائنُ : هكذا في الصّحاح بالمهملة . وفُلانٌ يَسْتَخْرِج الحَديثَ من أَباعدِ أَطْرافِه . وأَبْعَدَ في السَّوْم : شَطَّ . وتَبَاعَدَ منّي وابتَعَد وتَبَعَّدَ . وفي الحديث أَنّ رجلاً جَاءَ فقالَ : إِنّ الأَبعَدَ قد زَنَى معناه المتباعِد عن الخَير والعِصْمة . وجَلَسْتُ بَعِيدةً منك وبعِيداً منك يَعنِي مَكاناً بعيداً . ورُبما قالُوا : هي بَعيدٌ منك أَي مكانُها . وأَمَّا بعيدةُ العهدِ فبالهَاءِ . وذو البُعْدةِ : الّذي يُبْعِد في المُعادَاة . وأَنشد ابنُ الأَعرابيّ لرؤبةَ :
يَكْفِيك عندَ الشِّدّة اليَبيسَا ... ويَعتلِي ذا البُعْدَةِ النّحوسا قال أَبو حاتم : وقالوا قَبْلُ وبَعْدُ مِن الأَضداد . وقال في قوله عزّ وجلّ : " والأَرْضَ بَعْدَ ذلك دَحَاهَا " أَي قَبْلَ ذلك . ونقلَ شيخُنا عن ابن خالَويه في كتاب ليس ما نصُّه : ليس في القرآن بعْد بمعنى قبْل إِلاّ حَرْفٌ واحِد " ولَقَدْ كَتَبْنَا في الزَّبورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْر " . وقال مُغُلْطَاي في المَيْس على ليس : قد وَجَدْنَا حَرْفاً آخَرَ وهو " والأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحَاهَا " قال أَبو موسى في كتاب المغيث : معناه هنا قَبْل لأَنّه تعالى خَلَقَ الأَرضَ في يومين ثم استوَى إِلى السماءِ . فعلى هذا خلق الأرض قبل السماء ونقَله السُّيوطيّ في الإِتقان كذا نقله شيخنا . قلْت : وقد رَدَّه الأَزهريّ فقال : والّذي قاله أَبو حاتم عمَّن قاله خَطأٌ قَبْل وبعْد كلُّ واحد منهما نَقيضُ صاحِبه فلا يَكونُ أَحدُهما بمعنَى الآخَرِ وهو كَلامٌ فاسدٌ وأَمَّا ما زَعَمه من التناقض الظاهرِ في الآيات فالجواب أَنَّ الدَّحْوَ غَيرُ الخلْق وإِنَّما هو البَسْط والخَلْقُ هو الإِنشاءُ الأَوّل فاللّه عزَّ وجلّ خَلَق الأَرضَ أَوَّلاً غير مَدْحُوَّة ثم خَلقَ السماءَ ثم دحَا الأَرضَ أَي بَسَطَها . قال : والآيات فيها متفقة ولا تناقض بحمد الله تعالى فيها عندَ مَن يَفهمها وإِنّمَا أُتِيَ الملحِدُ الطَّاعنُ فيما شاكلَها من الآيات من جِهَةِ غضبَاوَته وغلِظَ فَهْمِه وقِلّة عِلْمِه بكلام العرب . كذا في اللسان . قال شيخنا : وجعلَها بعض المُعْرِبين بمعنَى مع كما مرَّ عن المصباح أَي مع ذلك دَحَاها . وقال القاليُّ في أَماليه في قول المضرِّب بن كعْب :
فقُلْتُ لها فِييءِ إِليْكِ فإِنّني ... حَرَامٌ وإِنِّي بعدَ ذاكِ لَبيبُ أَي مع ذاكِ . ولَبيب : مُقيم . وقد يُرَادُ بها الآنَ في قول بعضِهم :
كما قَدْ دَعَاني في ابنِ مَنصورَ قَبْلَهَا ... وماتَ فمَا حانَتْ مَنِيَّتَه بَعْدُ أَي الآنَ . وأَبعَدَ فلانٌ في الأَرض إِذا أَمْعَنَ فيها . وفي حديث قتْل أَبي جَهْل هل أَبْعَدُ مِنْ رَجلٍ قَتلْتُمُوه قال ابن الأَثير : كذا جاءَ في سنن أَبي داوود ومعناها أَنْهَى وأَبَلغُ لأَنّ الشْيءَ المُتناهِيَ في نَوْعه يقال قد أُبعِدَ فيه . قَالَ : والرِّوايات الصحيحة : أَعْمَدُ بالميم . وأَبعدَه اللّهُ أَي لَعنَه اللّهُ