القُرْآن هو التنزيل العزيزُ أَي المَقروءُ المكتوب في المَصاحف وإنما قُدِّم على ما هو أبْسَطُ منه لشرفه . قَرَأَه وقرأَ به بزيادة الباء كقوله تعالى " تُنْبِتُ بالدُّهْنِ " وقوله تعالى " يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يُذهبُ بالأبصارِ " أَي تُنبِت الدُّهْنَ ويُذهبُ الأبصار وقال الشاعر :
هُنَّ الحَرائِرُ لا رَبَّاتُ أخْمِرَةٍ ... سودُ المَحاجِرِ لا يَقْرَأْنَ بالسُّوَرِ
كنَصَرَه عن الزجاجي كذا في لسان العرب فلا يقال أنكرها الجماهير ولم يذكرها أحدٌ في المشاهير كما زعمه شيخنا ومَنَعَه قَرْءاً عن اللّحيانيّ وقِراءةً ككِتابةٍ وقُرآناً كعُثْمان فهو قارِئٌ اسم فاعل من قومٍ قَرَأَةٍ كَكَتبةٍ في كاتبٍ وقُرَّاءٍ كعُذَّالٍ في عاذلٍ وهما جَمْعانِ مُكَسَّرانِ وقارِئينَ جمع مذكر سالم : تَلاهُ تَفْسيرٌ لِقَرأَ وما بعده ثم إن التِّلاوةَ إمَّا مُرادِفٌ للقراءة كما يُفْهم من صَنيع المُؤَلِّف في المعتلّ وقيل : إن الأصل في تَلا معنى تَبِعَ ثمَّ كَثُر كاقْتَرَأه افتَعَل من القراءة يقال اقْتَرَأْتُ في الشعر وأقْرَأْتُه أنا وأقْرَأَ غيرَه يُقْرِئه إقراءً ومنه قيل : فلانٌ المُقْرِئُ قال سيبويه : قَرأَ واقترأَ بمعنًى بِمنزلةِ عَلا قِرْنه واستعْلاهُ وصَحيفةٌ مَقْروءةٌ كمَفعولة لا يُجيز الكسائيُّ والفرَّاء غيرَ ذلك وهو القياس ومَقْرُوَّةٌ كمَدْعُوَّة بقلبِ الهمزةِ واواً ومَقْرِيَّةٌ كمَرْمِيَّةٌ بإبدال الهمزة ياءً كذا هو مضبوطٌ في النُّسخ وفي بعضها مَقْرِئَة كمَفْعِلَةٍ وهو نادرٌ إِلاَّ في لغةِ من قال : قَرِئْتُ . وقَرَأْتُ الكِتابة قِراءةً وقُرْآناً ومنه سُمِّيَ القُرْآنُ كذا في الصحاح وسيأتي ما فيه من الكلام وفي الحديث " أقْرَؤُكُمْ أُبَيٌّ " قال ابن كثيرٍ : قيل : أرادَ : من جماعةٍ مَخصوصين أو في وقتٍ من الأوقاتِ فإن غيرَه أَقرَأُ منه قال : ويجوز أن يُريد به أكثرهم قِراءةً ويجوز أن يكون عامًّا وأنه أقْرَأُ أصحابِه أَي أتْقَنُ للقُرآن وأحفظُ . وقارَأَهُ مُقارَأَةً وقِراءً كَقِتالٍ : دارَسَه . واسْتَقْرَأَه : طَلَب إليه أن يَقْرأَ . وفي حديث أُبيٍّ في سورَةِ الأحزاب : إن كنَتْ لَتُقارِئُ سورَةَ البَقَرَة أو هي أطوَلُ . أَي تُجاريها مَدى طولِها في القِراءةِ أو أنّ قارِئَها لَيُساوي قارِئُ البَقَرَة في زمنِ قِرائتها وهي مُفاعلةٌ من القِراءة . قال الخطَّابيّ : هكذا رواه ابن هاشمٍ وأكثرُ الرِّوايات : إن كانت لَتُوازي . والقَرَّاءُ كَكَتَّانٍ : الحَسَنُ القِراءةِ ج قَرَّاءونَ ولا يُكَسَّر أَي لا يُجمع جَمعَ تكسير والقُرَّاءُ كَرُمَّانٍ : الناسك المُتَعَبِّد مثل حُسَّانٍ وجُمَّالِ قال شيخنا : قال الجوهريُّ : قال الفرَّاء : وأنشدني أَبو صَدَقَة الدُّبَيْريُّ :
بَيْضاءُ تَصْطادُ الغَوِيَّ وتَسْتَبي ... بالحُسْنِ قَلْبَ المُسْلِمِ القُرَّاءِ انتهى . قلت : الصحيحُ أنه قولُ زَيدٍ بن تُرْكٍ الدُّبَيْريّ ويقال : إن المراد بالقُرَّاء هنا من القِراءةِ جَمعُ قارِئٍ ولا يكون من التَّنَسُّكِ وهو أحسنُ كذا في لسان العرب وقال ابن بَرِّيٍّ : صوابُ إنشاده بَيْضاءَ بالفتح لأن قَبْلَه :
ولَقَدْ عَجِبْتُ لِكاعِبٍ مَوْدونَةٍ ... أطْرافُها بالحَلْيِ والحِنَّاءِقال الفراء : يقال : رجلٌ قُرَّاءٌ وامرأةٌ قُرَّاءةٌ ويقال : قرأتُ أَي صِرْتُ قارِئاً ناسِكاً . وفي حديث ابن عبَّاسٍ أنه كانَ لا يقرأُ في الظُّهْرِ والعَصر . ثمَّ قال في آخره " وما كانَ ربُّكَ نَسِيًّا " معناه أنه كانَ لا يَجْهَر بالقِراءة فيهما أو لا يُسمعُ نَفْسَه قِراءَتَه كأنَّه رأى قوماً يَقْرَءونَ فَيُسمعون نُفوسَهم ومن قَرُبَ منهم ومعنى قوله " وما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا " يريد أن للقراءة التي تَجْهَرُ بها أو تُسمعها نَفْسَك يَكْتُبها المَلَكان وإذا قَرأْتَها في نَفْسِك لم يَكْتُباها والله يَحْفَظُها لكَ ولا يَنْساها لِيُجازيكَ عليها . وفي الحديث : " أكثَرُ مُنافِقي أُمَّتي قُرَّاؤُها " أَي أنهم يَحْفظون القُرآن نَفْياً للتُّهَمَةِ عن أنفسهم وهم يَعْتقِدون تَضْييعَه . وكان المنافقون في عصرِ النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم كذلك كالقارئ والمُتَقَرِّئ ج قُرَّاءون مذكر سالم وقَوارِئُ كدَنانير وفي نسختنا قَوارئ فَواعل وجعله شيخنا من التحريف . قلت إِذا كانَ جمعَ قارِئٍ فلا مُخالفة للسَّماع ولا للقياس فإن فاعلاً يُجمع على فواعل . وفي لسان العرب قَرائئ كحَمائل فَلْيُنظر . قال : جاءوا بالهمزة في الجمع لما كانت غيرَ مُنقلبةٍ بل موجودة في قَرَأتُ . وتَقَرَّأَ إِذا تَفَقَّهَ وتَنَسَّك وتَقَرَّأْتُ تَقَرُّؤًا في هذا المعنى . وقَرَأَ عليه السلام يَقْرَؤُه : أبْلَغَه كأَقْرَأَه إيَّاه وفي الحديث : أنّ الرَّبَّ عَزَّ وجلَّ يُقْرِئُكَ السُّلامَ . أو لا يقال أَقْرَأَه السَّلام رُباعيًّا مُتَعدِّياً بنفسه قاله شيخنا . قلت : وكذا بحرفِ الجرّ كذا في لسان العرب إِلاَّ إِذا كانَ السلامُ مَكْتوباً في وَرَقٍ يقال أقرِئْ فُلاناً السَّلامَ واقْرَأْ عليه السَّلام كأنه حين يُبَلِّغُه سلامه يَحْمِله على أن يقرأَ السَّلام ويَرُدَّه . قال أَبو حاتمٍ السِّجستانيّ : تقول : اقْرَأْ عليه السَّلامَ ولا تقول أقْرِئْه السَّلام إِلاَّ في لغةٍ فإذا كانَ مَكتوباً قلتَ أَقْرِئْهُ السَّلام أَي اجعله يَقْرَؤُهُ . وفي لسان العرب : وإذا قَرأَ الرجلُ القُرآنَ والحديثَ على الشيخ يقول أَقْرَأَني فلانٌ أَي حَمَلني على أن أَقْرَأَ عليه . والقَرْءُ ويُضَمُّ يُطلَق على : الحَيْض والطُّهْر وهو ضِدٌّ وذلك لأن القُرْءَ هو الوَقْتُ . فقد يكون للحَيْض وللطُّهْر وبه صرَّح الزَّمخشريّ وغيرُه وجَزم البَيْضاويّ بأنه هو الأصل ونقله أَبو عمرو وأنشد :
إِذا ما السَّماءُ لمْ تَغِمْ ثُم أخْلَفَتْ ... قُروءَ الثُّرَيَّا أن يَكونَ لها قَطْرُ يُريد وقْتَ نَوْئِها الذي يُمطَرُ فيه النَّاسُ وقال أَبو عبيدٍ : القَرْءُ يَصلُح للحَيْضِ والطُّهر قال : وأظنُّه من أقْرَأَتِ النُّجومُ إِذا غابت . والقُرْءُ : القافيَةُ قاله الزمخشري ج أقْراءٌ وسيأتي قريباً والقرْءُ أيضاً الحُمَّى والغائب والبعيد وانقضاءُ الحَيض وقال بعضهم : ما بين الحَيْضَتَيْنِ . وقَرْءُ الفَرَس : أيَّام وَدْقِها أو سِفادِها الجمع أقْراءٌ وقُروءٌ وأقْرُءٌ الأخيرة عن اللّحيانيّ في أدنى العدد ولم يعرف سيبويه أقْراءً ولا أقْرُؤًا قال : استغنَوا عنه بِقُروءٍ . وفي التنزيل " ثَلاثَةَ قُروءٍ " أراد ثلاثةً من القروءِ كما قالوا خَمسة كِلابٍ يُراد بها خمسة من الكلاب وكقوله :
" خَمْس بَنانٍ قانِئِ الأظْفارِ أراد خَمْساً من البَنان وقال الأعشى :
مُوَرّثَةً مالاً وفي الحَيِّ رِفْعَةً ... لِما ضاعَ فيها من قُروءِ نِسائِكاوقال الأصمعيّ في قوله تعالى " ثلاثة قُروءٍ " قال : جاءَ هذا على غير قياس والقياس : ثلاثة أقْرُؤٍ ولا يجوز أن يقال ثلاثة فُلوسٍ إنما يقال ثلاثة أفْلُسٍ فإذا كثرت فهي الفُلوسُ ولا يقال ثلاثة رجالٍ إنما هي ثلاثة أرْجِلَة ولا يقال ثلاثة كلابٍ إنما هي ثلاثة أكْلُبٍ قال أَبو حاتم : والنَّحويون قالوا في قول الله تعالى " ثلاثة قُروءٍ " أراد ثلاثةً من القُروءِ كذا في لسان العرب أو جمعُ الطُّهْرِ قُروءٌ وجمعُ الحَيض أقْراءٌ قال أَبو عبيدٍ : الأقراءُ : الحيض والأقراءُ : الأطهار وقد أقْرَأَت المرأةُ في الأمرين جميعاً فهي مُقْرِئٌ أَي حاضَتْ وطَهُرَت وأصله من دُنُوِّ وقتِ الشيء وقَرَأَت إِذا رأت الدَّمَ وقال الأخفش : أقَرأَت المرأةُ إِذا صارت صاحبةَ حيضٍ فإذا حاضَتْ قلتَ : قَرَأَت بلا ألفٍ يقال أقْرأت المرأة حَيْضَة أو حَيْضَتَين ويقال : قَرَأَت المرأةُ : طَهُرَت وقَرَأَت : حاضت قال حُمَيدٌ :
أراها غُلامانا الخَلا فَتَشَذَّرَتْ ... مِراحاً ولم تَقْرَأُ جَنيناً ولا دَما يقول : لم تَحْمِلْ عَلَقَةً أَي دَماً ولا جَنيناً . قال الشافعيُّ رضي الله عنه : القَرْءُ : اسمٌ للوقت فلما كانَ الحيضُ يَجيء لِوَقتٍ والطُّهْرُ يَجيء لوقتٍ جازَ أن تكون الأقْراءُ حيضاً وأطهاراً ودَلَّت سُنَّةُ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنَّ الله عزَّ وجلَّ أراد بقوله " والمُطلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأنْفُسِهِنَّ ثلاثةَ قُروءٍ " الأطهار وذلك أن ابن عُمرَ لما طَلَّقَ امرأته وهي حائضٌ واستفتَى عُمر رضي الله عنه النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم فيما فَعَل قال " مُرْهُ فَلْيُراجِعْها فإذا طَهُرَت فَلْيُطَلِّقْها فَتِلْكَ العِدَّةُ التي أمر الله تعالى أن يُطَلَّق لها النِّساءُ " وقرأت في طَبقات الخَيْضَريّ من ترجمة أَبِي عبيدٍ القاسم بن سلاَّم أنه تَناظر مع الشافعيِّ في القَرْءِ هل هو حَيضٌ أو طُهْرٌ إلى أن رجع إلى كلام الشافعيّ وهو معدودٌ من أقرانه وقال أَبو إسحاق : الذي عندي في حقيقة هذا أن القَرْءَ في اللغة الجَمعُ وأنّ قولهم قَرَيْتُ الماءَ في الحَوضِ وإن كانَ قد أُلْزم الياء فهو جَمَعْتُ وقَرَأْتُ القُرآنَ : لَفظت به مَجموعاً فإنما القَرْءُ اجْتماعُ الدَّمِ في الرَّحم وذلك إنما يكون في الطُّهْرِ وصحَّ عن عائشة وابن عمر رضي الله عنهما أنهما قالا : الأقراءُ والقُروءُ : الأطهار وحقَّق هذا اللفظ من كلام العرب قولَ الأعشى :
" لِما ضاعَ فيها من قُروءِ نِسائِكا فالقُروء هنا : الأطهار لا الحيض لأن النساء يُؤْتَيْنَ في أطْهارِهِنَّ لا في حِيَضِهِنَّ فإنما ضاعَ بِغَيبَته عَنهنَّ أطْهارُهُن قال الأزهريُّ : وأهلُ العراق يقولون : القَرْءُ : الحَيضُ وحُجَّتُهم قولُه صلّى الله عليه وسلّم " دَعي الصَّلاةَ أيَّامَ أقْرائِك " أي أيَّام حَيضك قال الكسائي والفراء : أقرأَت المرأةُ إِذا حاضت وقال الأخفش : وما قَرَأَت حَيْضةً أَي ما ضمَّت رَحِمُها على حَيضةٍ وقال ابن الأثير : قد تَكَرَّرَت هذه اللفظة في الحديث مُفرَدَةً ومجموعةً فالمفردةُ بفتح القاف وتُجمع على أقراءٍ وقُروءٍ وهو من الأضداد يقع على الطُّهْرِ وإليه ذهب الشافعيُّ وأهلُ الحجاز ويَقَع على الحَيض وإليه ذهب أبو حَنيفة وأهلُ العراق والأصلُ في القَرْءِ الوقتُ المَعلومُ ولذلك وقع على الضِّدَّين لأنَّ لكُلٍّ منهما وَقتاً وأقرأَت المرأةُ إِذا طَهُرَت وإذا حاضت وهذا الحديثُ أراد بالأقْراءِ فيه الحَيض لأنه أمرها فيه بِتَرك الصلاة . وأقرأت الناقةُ والشاةُ كما هو نَصُّ المُحكم فليس ذِكرُ الناقة بِقيدٍ : استَقَرَّ الماء أَي مَنِيُّ الفحل في رَحِمِها وهي في قِرْوَتِها على غير قياسٍ والقياس قِرْأَتِها ودَخَلت في وقتها والقارئُ : الوقت وقال مالك بن الحارث الهُذليُّ :
كَرِهْتُ العَقْرَ عَقْرَ بَني شَليلٍ ... إِذا هَبَّتْ لِقارِئها الرِّياحُأَي لوقت هُبوبِها وشدَّتها وشِدَّة بَرْدِها والعَقرُ موضعٌ وشليلٌ : جَدُّ جَرير بن عبد الله البَجَليّ ويقال : هذا وقتُ قارِئِ الرِّيح لوقتِ هُبوبها وهو من باب الكاهل والغارب وقد يكون على طرح الزائد . وأقرَأَ من سَفره : رَجَع إلى وطنه وأقْرَأَ أمْرُكَ : دَنا وفي الصحاح : أقْرَأت حاجتُه : دَنَتْ وأقرأ حاجتَه : أخَّرَ ويقال : أعَتَّمْتَ قِراكَ أو أقْرَأْتَهُ أَي أخَّرته وحَبَسْته وقيل : اسْتَأخَرَ وظن شيخنا أنه من أقرَأَتِ النجومُ إِذا تأخَّرَ مَطَرُها فَورَّكَ على المُصنِّف وليس كذلك وأقْرأَ النَّجْمُ غابَ أو حانَ مَغيبُه ويقال أقرَأت النجومُ : تأخَّرَ مَطَرُها وأقرأَ الرجلُ من سفره : انصَرَف منه إلى وطنه وأقرأَ : تَنَسَّكَ كَتَقرَّأَ تَقَرُّؤًا وكذلك قَرَأ ثُلاثيًّا . وقَرَأَتِ الناقةُ والشاةُ : حَمَلَتْ وناقةٌ قارِئٌ بغير هاء وما قرَأَتْ سَلاً قَطُّ : ما حَمَلَتْ مَلْقوحاً وقال اللِّحيانيُّ : معناه . ما طَرَحَتْ وروى الأزهريّ عن أَبِي الهيثم أنه قال : يقال : ما قَرأتِ الناقةُ سَلاً قَطُّ وما قرأَتْ مَلْقوحاً قطّ قال بعضهم : لم تَحملْ في رَحِمِها ولداً قطُّ أَي لم تحمل وعن ابن شُميلٍ : ضَربَ الفَحلُ الناقةَ على غير قُرْءٍ وقُرْءُ الناقة : ضَبَعَتُها وهذه ناقةٌ قارِيٌّ وهذه نوقٌ قَوارِئٌ وهو من أقرأَت المَرْأة إِلاَّ أنه يقال في المرأة بالألف وفي الناقة بغير ألف . وقَرَأَ الشيءَ : جَمَعَه وضَمَّه بعضَه إلى بعضٍ وقرأتُ الشيءَ قُرْآناً : جَمعْتُه وضمَمْتُ بعضَه إلى بعضٍ ومنه قولهم : ما قرأَت هذه الناقة سَلاً قطُّ وما قَرَأت جَنيناً قطُّ أَي لم تَضُمَّ رَحِمُها على وَلَدٍ قال عمرو بن كلثومٍ :
ذِراعَيْ عَيْطَلٍ أدْماءَ بِكْرٍ ... هِجانِ اللَّوْنِ لم تَقْرَأْ جَنيناقال أكثر الناس : معناه : لم تَجْمَعْ جَنيناً أَي لم يَضُمَّ رحمها على الجَنين وفيه قولٌ آخرُ لم تقرأُ جَنينا أَي لم تُلْقِه ومعنى " قَرَأْتَ القُرآنَ " لَفَظتَ به مَجموعاً أَي ألقيته وهو أحد قولَي قُطرُبٍ . وقال أَبو إسحاق الزجّاج في تفسيره : يُسمَّى كَلامُ الله تعالى الذي أنزله على نبيّه صلّى الله عليه وسلّم كِتاباً وقُرآناً وفُرْقاناً ومعنى القرآن الجَمعُ وسمِّي قرآناً لأنه يجمعُ السُّوَرَ فَيَضُمُّها وقوله تعالى " إنَّ عَلينا جَمْعَهُ وقُرْآنَهُ " أَي جَمعَهُ وقراءتَه . قال ابن عبَّاسٍ : فإذا بَيَّنَّاهُ لك بالقراءة فاعْمل بما بَيَّنَّاه لك ورُوي عن الشافعيّ رضي الله عنه أنه قرأَ القرآن على إسماعيل بن قُسطنطين وكان يقول : القُرانُ اسمٌ وليس بمهموزٍ ولم يُؤْخذ من قَرَأْتُ ولكنه اسمٌ لكتاب الله مثل التوراة والإنجيل ويَهمزُ قَرأْتُ ولا يُهمز القُران وقال أَبو بكر بن مجاهدٍ المُقرئُ : كانَ أَبو عمرو بن العلاء لا يهمز القُرانَ وكان يَقْرَؤُه كما روى عن ابن كثيرٍ وقال ابن الأثير : تكرَّر في الحديث ذكر القراءة والاقتراء والقارئِ والقرآن والأصل في هذه اللفظة الجمعُ وكلُّ شيءٍ جَمعته فقد قَرَأْتَه وسمِّيَ القرآنَ لأنه جَمَع القصص والأمر والنَّهي والوعد والوعيد والآيات والسُّوَر بَعضها إلى بعضٍ وهو مصدرٌ كالغُفران قال وقد يُطلق على الصَّلاة لأن فيها قِراءةً من تسمية الشيء ببعضه وعلى القراءة نفسها يقال قَرَأَ يَقْرَأُ قِراءة وقُرْآناً والاقتراءُ افتعال من القراءة وقد تُحذف الهمزة تَخفيفاً فيقال قُرانٌ وقَرَيْتُ وقارٍ ونحو ذلك من التصريف . وقَرَأَت الحامِلُ وفي بعض النُّسخ الناقَةُ أَي وَلَدَتْ وظاهره شُمولُه الآدَميِّينَ . والمُقَرَّأَةُ كمُعَظَّمَةٍ هي التي يُنْتَظَرُ بها انقِضاءُ أَقْرائِها قال أَبو عمرو : دفعَ فلانٌ جارِيتَهُ إلى فُلانَةَ تُقَرِّئُها أَي تُمسِكُها عندها حتَّى تَحيضَ للاسْتِبراءِ وقد قُرِّئَتْ بالتشديد : حُبِسَتْ لذلك أَي حتَّى انْقَضَتْ عدَّتُها . وأَقْرَاءُ الشِّعرِ : أَنواعُه وطُرُقُه وبُحوره قالهُ ابنُ الأَثير وأَنحاؤُه مقاصِده قال الهروي : وفي إسلام أَبِي ذَرٍّ قال أَنيس : لقد وضعتُ قولَهُ على أَقْرَاءِ الشِّعْرِ فلا يلتَئِمُ على لسانِ أَحَدٍ على طُرُقِ الشِّعرِ وبُحوره واحدها قَرْءٌ بالفتح وقال الزَّمخشري وغيرُه : أَقْرَاء الشِّعْرِ : قَوافيه التي يُختم بها كأَقْرَاءِ الطُّهْرِ التي تنقطع عنها الواحد قَرْؤٌ وقُرْءٌ وقيل بتثليثه وقَرِيءٌ كبديعٍ وقيل هو قَرْوٌ بالواو قال الزَّمخشري : يقال للبيتين والقصيدتين : هما على قَرْوٍ واحدٍ وقَرِيٍّ واحدٍ . وجمع القَرِيِّ أَقْرِيَةٌ قال الكُميت :
وعِنْدَهُ للنَّدَى والحَزْمِ أَقْرِيَةٌ ... وفي الحُروبِ إِذا ما شاكَتِ الأُهَبُوأَصلُ القَرْوِ القَصْدُ انتهى . ومُقْرَأٌ كمُكْرَمٍ هكذا ضبطه المُحدِّثون وفي بعض النُّسخ إشارة إلى موضع باليمن قريباً من صنعاءَ على مرحلةٍ منها به معدِن العَقيقِ وهو أَجودُ من عَقيقِ غيرِها وعبارة المحكم : بها يُعملُ العَقيقُ وعبارة العُباب : بها يُصنع العَقيقُ وفيها مَعْدِنُه قال المَناوي : وبه عُرف أَنَّ العقيقَ نوعان مَعْدِنِيٌّ ومَصْنوعٌ وكمَقْعَدٍ قريةٌ بالشام من نواحي دمشق لكنَّ أَهلَ دمشقَ والمُحدِّثون يضُمُّونَ الميم وقد غَفَل عنه المصنِّف قاله شيخُنا منه أَي البلد أَو الموضع المُقْرَئِيُّونَ الجماعة من العُلماء المُحَدِّثين وغيرِهم منهم صُبَيح بن مُحرِز وشدَّاد بن أَفلح وجميع بن عَبْد وراشد بن سَعْد وسُوَيد بن جَبَلة وشُرَيح بن عَبْد وغَيْلان بن مُبَشِّر ويونُس بن عثمان وأَبو اليَمان ولا يُعرف له اسمٌ وذو قرنات جابرُ بن أَزَذَ وأُمُّ بكرٍ بنتُ أَزَذَ والأَخيران أَوردَهما المُصنِّف في الذال المعجمة وكذا الذي قبلهما في النون وأَمَّا المنسوبون إلى القَرْيَةِ التي تحتَ جَبَل قاسِيونَ فمنهم غَيْلانَ بن جعفر المَقْرِئيّ عن أَبِي أُمامة ويَفْتَحُ ابنُ الكلبيِّ الميمَ منه فهي إذاً والبَلْدَةُ الشَّاميَّة سَواءٌ في الضَّبْط وكذلك حكاه ابنُ ناصرٍ عنه في حاشية الإكمال ثمَّ قال ابنُ ناصرٍ من عندِه : والمحدِّثونَ يقولونه بضمِّ الميم وهو خطأٌ وإِنَّما أَوْرَدْتُ هذا فإنَّ بعضاً من العلماءِ ظَنَّ أَنَّ قولَهُ وهو خطأٌ من كلام الكلبيّ فنقَلَ عنه ذلك فتأَمَّلْ . والقِرْأَةُ بالكسر مثل القِرْعة : الوباءُ قال الأَصمَعِيّ : إِذا قَدِمْتَ بِلاداً فمَكَثْتَ فيها خمسَ عشرَةَ ليلةً فقد ذَهَبَتْ عنكَ قِرْأَةُ البلادِ وقِرْءُ البلادِ فأمَّا قولُ أَهْلِ الحجازِ قِرَةُ البلادِ فإنَّما على حذف الهمزة المُتحرِّكة وإلقائِها على الساكِن الذي قَبْلَها وهو نوعٌ من القياس فأَمَّا إِغْرابُ أَبِي عُبَيد وظنُّه إِيَّاها لغةً فخطأٌ كذا في لسان العرب وفي الصحاح أَنَّ قولَهم قِرَةٌ بغير همزٍ معناه أَنَّه إِذا مَرِضَ بها بعدَ ذلك فليس من وباءِ البلادِ قال شيخنا : وقد بقي في الصحاح ممَّا لم يتعرض له المصنف الكلام على قوله تعالى " إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وقُرْآنَه " الآية . قلت : قد ذكر المُؤَلِّف من جُملةِ المصادر القُرآنَ وبيَّنَ أَنَّه بمعنى القِراءةِ فَفُهم منه معنى قوله تعالى " إِنَّ علينا جَمْعَهُ وقُرْآنَهُ " أَي قِراءَتَهُ وكتابه هذا لم يتكفَّلْ لبيانِ نُقُولِ المُفَسِّرين حتَّى يُلْزِمَه التَّقصيرَ كما هو ظاهرٌ فليُفْهَم . واسْتَقْرَأَ الجَمَلُ النَّاقَةَ إِذا تارَكَها ليَنْظُرَ أَلَقِحَتْ أَمْ لا . عن أَبِي عُبيدة : ما دامَتِ الوَديقُ في وِداقها فهي في قُرُوئِها وأَقْرَائِها . وممَّا يستدرك عليه : مُقْرَأَ بن سُبَيْع بن الحارث بن مالك بن زيد كمُكْرَم بَطْنٌ من حِمْيَرٍ وبه عُرف البلَدُ الذي باليمن لنُزوله ووَلدِه هناك ونقل الرشاطي هن الهَمْداني مُقْرَى بن سُبَيْع بوزن مُعْطى قال : فإذا نسبْتَ إليه شدَّدْتَ الياءَ وقد شُدِّدَ في الشعر قال الرشاطي وقد ورد في الشعر مهموزاً قال الشاعر يخاطب مَلِكاً :
ثمَّ سَرَّحْتَ ذا رُعَيْنٍ بجَيْشٍ ... حَاشَ من مُقْرَئٍ ومن هَمْدانِ وقال عبد الغنيّ بنُ سعيد : المحدِّثون يكتبونه بأَلِفٍ أَي بعد الهمزة ويجوز أن يكون بعضُهم سهَّلَ الهمزة ليوافقَ هذا ما نقله الهمدانيُّ فإنَّه عليه المُعَوَّلُ في أَنساب الحِمْيَرِيِّينَ . قال الحافظ : وأَما القَرْيَةُ التي بالشَّأم فأَظُنُّ نَزَلَها بنو مُقْرَئٍ هؤلاءٍ فسُمِّيَتْ بهم