سَبَأَ الخمرَ كجَعَلَ يَسْبَؤُها سَبْأً وسِبَاءً ككتاب ومَسْبَأً : شَرَاها الأَكثر استعمالُ شَرى في معنى البَيْعِ والإخراج نحو قوله تعالى " وشَرَوْهُ بثَمَنٍ بَخْسٍ " أَي باعوه ولذا فسَّره في الصحاح والعباب باشتراها لأنَّه المعروف في معنى الأَخذ والإدخال نحو " إِنَّ اللهَ اشْتَرَى " وإن كانَ كلٌّ من شَرى وباعَ يُستعمل في المعنيين وكذا فسَّره ابنُ الأَثير أيضاً وزاد الجوهريّ والصاغانيُّ قيداً آخَرَ وهو ليشربَها قال إبراهيمُ بنُ عليِّ بن مُحمَّد بن سَلَمة بن عامرِ بن هَرْمَةَ :
خَوْدٌ تُعاطِيكَ بعدَ رَقْدَتِها ... إِذا يُلاقي العُيُونَ مَهْدَؤُها
كَأْساً بِفِيها صَهْباءَ مُعْرَقَةً ... يَغْلو بأَيْدي التِّجَارِ مَسْبَؤُها قوله مُعْرَقَةً أَي قليلة المِزاج أَي أنَّها من جَوْدَتِها يَغلو اشْتِراؤها قال الكِسائيُّ : وإذا اشتريتَ الخمرَ لتحْمِلَها إلى بلدٍ آخَر قلت : سَبَيْتُها بلا همزٍ وعلى هذه التفرقةِ مَشاهيرُ اللُّغويِّين إِلاَّ الفيُّوميَّ صاحبَ المصباح فإنَّه قال : ويُقال في الخمر خاصَّةً سَبَأْتُها بالهمز إِذا جلبْتَها من أَرضٍ إلى أَرضٍ فهي سَبيئَةٌ قاله شيخُنا كاسْتَبَأَها ولا يقال ذلك إِلاَّ في الخَمْرِ خاصَّةً قال مالكُ بنُ أَبِي كعبٍ :
بَعَثْتُ إلى حانُوتِها فاسْتَبَأْتُها ... بغَيْرِ مِكاسٍ في السِّوَامِ ولا غَصْبِ وبيَّاعُها السَّبَّاءُ كعطَّارٍ وقال خالدُ بنُ عبد الله لعُمَر بن يوسفَ الثقفيِّ : يا ابنُ السَّبَّاءِ حكى ذلك أَبو حنيفة . وممَّا أَغفله المُؤَلِّف : سَبَأَ الشَّرابَ إِذا جمعَها وخَبَّأَها قاله أَبو موسى في معنى حديث عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّه دَعا بالجِفَانِ فَسَبَأَ الشَّرابَ فيها . وسَبَأَ الجِلْدَ بالنَّارِ سَبْأً : أَحرقَهُ قاله أَبو زيد وسَبَأَ الرجلُ سَبْأً : جَلَدَ وسَبَأَ سَلَخَ . فيه قَلَقٌ لأَنَّه قول في سَبَأَ الجِلْدَ : أَحرقه وقيل : سلَخَه فالمناسبُ ذِكره تحتَ أَحرقه وانْسَبَأَ الجلدُ انْسَلَخ وانسَبَأَ جِلدُه إِذا تَقَشَّر قال الشاعر :
" وقدْ نَصَلَ الأَظفارُ وانْسَبَأَ الجِلْدُ وسَبَأَ : صافَحَ قال شيخنا : هو معنى غريبٌ خَلَت عنه زُبُرُ الأَوَّلين . قلت : وهو في العُباب فلا معنى لإنكاره وسَبَأَتِ النَّارُ وكذا السِّيَاطُ كذا في المحكم الجِلْدَ سَبْأً : لذَعَتْه بالذَّال المعجمة والعين المهملة وقيل غَيَّرَته ولوَّحَتْه وكذلك الشَّمسُ والسَّيْرُ والحُمَّى كلُّهنَّ يَسْبَأْنَ الإنسانَ أَي يُغَيِّرْنَهُ . وسَبَأٌ كجَبَلٍ يُصرف على إرادة الحيّ قال الشاعر :
أُضْحَتْ يُنَفِّرُها الوِلْدانُ من سَبَإٍ ... كأَنَّهم تحتَ دَفَّيْها دَحَاريجُ ويُمنع من الصرف لأنَّه اسم بَلْدَةَ بلقيسَ باليمن كانت تسكُنها كذا ورد في الحديث . قال الشاعر :
مِن سَبَأَ الحاضِرينَ مَأْرِبَ إذْ ... يَبْنونَ من دونِ سَيْلِها العَرِما
وقال تعالى " وجِئْتُكَ من سَبَإٍ بنَبَإٍ يَقينٍ " قال الزجَّاج : سَبَأ هي مدينة تُعرف بمأْرِب من صَنعاءَ على مسيرةِ ثلاثِ ليالٍ ونقل شيخنا عن زَهر الأَكَمْ في الأَمثال والحِكم ما نصّه : وكانتْ أَخصَبَ بلادِ الله كما قال تعالى " جَنَّتَانِ عن يَمينٍ وشِمالٍ " قيل : كانت مسافة شهرٍ للراكب المُجِدِّ يسير الماشي في الجنان من أَوَّلها إلى آخرها لا يُفارقه الظِّلُّ مع تدفُّقِ الماءِ وصفاءِ الأَنهارِ واتِّساع الفضاءِ فمَكَثوا مدَّةً في أَمْنٍ لا يَعانِدُهم أَحدٌ إِلاَّ قَصَموه وكانت في بَدْءِ الأَمرِ تركَبها السُّيول فجمع لذلك حِمْيَرٌ أَهلَ مملكته وشاورَهم فاتَّخذوا سدًّا في بَدْءِ جَرَيانِ الماءِ ورَصَفوه بالحجارة والحَديد وجعلوا فيه مَخارِقَ للماءِ فإذا جاءَت السُّيولُ انقسمت على وجهٍ يَعُمُّهم نَفْعُه في الجنَّاتِ والمُزْدَرَعاتِ فلمَّا كَفَروا نِعَمَ الله تعالى ورَأَوْا أَنَّ مُلْكَهُم لا يُبيدُه شيءٌ وعَبدوا الشَّمْسَ سلَّط الله على سدِّهم فأْرةٌ فخَرَقَتْه وأَرسلَ عليهم السَّيلَ فمزَّقهم اللهُ كلَّ مُمَزَّقٍ وأَباد خَضْراءهم . وقال ابنُ دُريد في كتاب الاشتقاق : سَبَأٌ لقبُ ابنِ يَشْجُبَ بنِ يعرُبَ بن قحطانَ كذا في النسخ وفي بعضها : ولقَبُ يَشْجُبَ وهو خطأٌ واسمه عبدُ شمسٍ يجمعُ قبائلَ اليمنِ عامَّةً يمدُّ ولا يمدُّ وقل شيخنا : وزاد بعضٌ فيه المدَّ أيضاً وهو غريبٌ غريبٌ لأَنَّه إِذا ثبت في الأُمَّهات فلا غرابَةَ مع أَنَّه موجود في الصحاح وأَمَّا الحديث المُشار إليه الذي وقع فيه ذِكر سبإٍ فأَخرجه التّرمذيُّ في التفسير عن فَرْوَةَ بنِ مُسَيْكٍ المُراديُّ قال : أَتينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت : يا رسول الله ألا أُقاتِلُ من أَدبَرَ من قَوْمي بمن أَقبَلَ منهم ؟ فأَذِنَ لي في قِتالِهم وأَمَّرني فلمَّا خرجتُ من عنده سأَل عنِّي : " ما فَعَلَ الغُطَيْفِيُّ ؟ " فأُخبرَ أَنِّي قد سِرْتُ قال : فأَرسَلَ في أَثَري فردَّني فأَتيته وهو في نَفَرٍ من أَصحابه فقال " ادْعُ القَوْم فمن أَسلَمَ منهم فاقْبَلْ منه ومن لم يُسْلِمْ فلا تعجَلْ حتَّى أُحْدِثَ إليكَ قال : وأُنزِلَ في سَبَإٍ ما أُنزِل فقال رجلٌ : يا رسول الله وما سَبَأٌ ؟ أَرضٌ أَو امرأةٌ ؟ قال : " ليسَ بأَرضٍ ولا امرأةٍ ولكنَّه رجلٌ ولَدَ عشرَةً من اليمن فتَيامَنَ منهم ستّةٌ وتشاءَم منهم أربعةٌ فأَمَّا الذين تشاءَموا فلَخْمٌ وجُذامٌ وغَسَّانُ وعامِلة وأَمَّا الذين تيامَنوا فالأَزْدُ والأَشعريُّونَ وحِمْيَر وكِنْدَة ومَذْحِج وأَنمار " فقال رجلٌ : يا رسول الله وما أَنمار ؟ قال : " الذين منهم خثْعَمُ وبَجيلَةُ " قال أَبو عيسى : هذا حديثٌ حَسَنٌ غريب . وسَبَأٌ والد عبد الله المنسوبِ إليه الطائفَةُ السَّبَائِيَّةُ بالمد كذا في نسختنا وصحَّح شيخنا السَّبَئيَّة بالقصر كالعربيَّة وكلاهما صحيح من الغُلاةِ جمع غالٍ وهو المُتَعَصِّبُ الخارج عن الحدِّ في الغُلُوِّ من المبتدعة وهذه الطائفةُ من غُلاةِ الشِّيعة وهم يتفرَّقون على ثماني عشرَةَ فرقَةً . والسَّبَاءُ ككتابٍ والسَّبَأُ كجبلٍ قال ابنُ الأَنباريّ حكى الكسائيُّ : السَّبأُ : الخمرُ واللَّطَأُ : الشَّرُّ الثقيلُ حكاهما مهموزين مقصورين قال : ولم يَحْكِهما غيرُه قال والمعروف في الخمرِ السَّبَاءُ بكسر السِّين والمدّ . والسَّبيئَةُ ككريمَةِ : الخمرُ أَي مطلقاً وفي الصحاح والمحكم وغيرهما : سَبَأَ الخمرَ واسْتَبَأَها : اشتراها وقد تقدَّم الاستشهادُ ببيتَيْ إبراهيم بن هرمَةَ ومالك بن أَبِي كعبٍ والاسم السِّبَاءُ على فِعالٍ بكسر الفاء ومنه سمِّيت الخمرُ سَبيئَةً قال حسان بن ثابت :
كأَنَّ سَبيئَةً من بَيْتِ رأْسٍ ... يَكونُ مِزاجَها عَسَلٌ وماءُ
على أَنْيابِها أَو طَعْمُ غَضِّ ... من التُّفَّاحِ هَصَّرَه اجْتِناءُ وهذا البيت في الصحاح :
" كأَنَّ سَبيئَةً بَيْتِ رأْسقال ابن بَرِّيّ : وصوابُه : من بَيْتِ رأْسٍ وهو موضعٌ بالشام . ويقال : أَسْبَأَ لأَمرِ اللهِ وذلك إِذا أَخْبَتَ له قلبُه كذا في لسان العرب وأَسبا على الشَّيْءِ : خَبَتَ أَي انخَضَع له قلبُهُ . والمَسْبَأُ كمقْعَدٍ : الطَّريقُ في الجَبَل . وسَبيءُ كأَمير الحيَّةِ وسَبِيُّها يُهمز ولا يُهمز : سِلْخُها بكسر السين المهملة كذا في نسختنا وفي بعضها على صيغة الفِعْلِ سَبَأَ الحيَّةَ كمَنَعَ : سَلَخَها وصحَّحها شيخنا وفيه تأَمُّلٌ ومخالفةٌ للأُصول . وقالوا في المثل : تَفَرَّقوا كذا في المحكم وفي التهذيب : ذَهَبوا وبهما أَورده الميدانيُّ في مجمع الأَمثال : أَيدي سَبَا وأَيادي سَبَا يُكتب بالألف لأنَّ أَصله الهمز قاله أَبو عليٍّ القالي في الممدود والمقصور وقال الأَزهريُّ : العربُ لا تهمز سَبَا في هذا الموضع لأنَّه كثُر في كلامهم فاستثقلوا فيه الهمزَ وإن كانَ أَصله مهموزاً ومثلَه قال أَبو بكر بن الأَنباريّ وغيرُه وفي زهر الأَكم : الذَّهابُ معلومٌ والأَيادي جمعُ أَيْدٍ والأَيدي بمعنى الجارِحة وبمعنى النِّعْمة وبمعنى الطَّريق : تبدَّدوا قال ابنُ مالك : إنَّه مركَّب تَركيب خمسَةَ عَشَرَ بَنَوْهُ على السُّكون أَي تكلَّموا به مبنيًّا على السُّكون كخمسةَ عشرَ فلم يجمعوا بيت ثِقَلِ البناءِ وثِقَلِ الهمزة وكان الظاهر بَنَوْهُما أَو بَنَوْها أَي الأَلفاظ الأَربعة قاله شيخنا وليس بتخفيف عن سَبَإٍ لأَنَّ صورةَ تخفيفه ليست على ذلك وإِنَّما هو بدلٌ وذلك لكثرته في كلامهم قال العجَّاج :
" مِنْ صادِرٍ أَوْ وارِدٍ أَيْدِي سَبَا وقال كُثَيِّر :
أَيَادِي سَبَا يا عزَّ ما كنتُ بَعْدَكُمْ ... فلمْ يَحْلَ للعَيْنَيْنِ بَعْدَكِ مَنْزِلُ ضُربَ المَثَلُ بهم لأَنَّه لمَّا غرقَ مكانَهم وذهبتْ جنَّاتُهم أَي لمَّا أَشرفَ مكانَهم على الغرق وقرُبَ ذهابُ جنَّاتِهم قبلَ أَن يدهَمَهم السَّيْلُ وأَنَّهم توجَّهوا إلى مكَّة ثمَّ إلى كلِّ جهةٍ برأْيِ الكاهِنَةِ أَو الكاهن وإِنَّما بقيَ هناك طائفةٌ منهم فقط تبدَّدوا في البِلاد فلحق الأَزدُ بعُمَان وخُزاعَةُ ببطنِ مَرّ والأَوْسُ والخَزرجُ بيثرِبَ وآلُ جَفْنَةَ بأَرضِ الشام وآلُ جَذيمَةَ الأَبرشِ بالعراق . وفي التهذيب : قولُهم ذهبوا أَيادي سَبَا أَي متفرِّقينَ شُبِّهوا بأَهلِ سَبَإٍ لمَّا مزَّقهم الله في الأَرضِ كلَّ ممزَّق فأَخذ كلُّ طائفةٍ منهم طريقاً على حِدَة واليدُ : الطَّريقُ يقال : أخذ القَوْمُ يدَ بحرٍ فقيل للقومِ إِذا تفرَّقوا في جهاتٍ مختلفةٍ : ذهبوا أَيدي سَبَا أَي فرَّقتهم طُرقُهم التي سَلَكوها كما تفرَّق أَهلُ سَبَإٍ في مذاهِبَ شتَّى . وقال ابن الأَعْرابِيّ : يقال : إنَّك تريد سُبْأَةً بالضَّمِّ أَي إنَّك تريد سَفَراً بعيداً يُغيِّرُك وفي التهذيب : السُّبْأَةُ : السَّفر البعيد سمِّي سُبْأَةً لأَنَّ الإنسان إِذا طال سفَرُه سَبَأَتْهُ الشَّمسُ ولوَّحته وإذا كانَ السفرُ قريباً قيل : تُريدُ سَرْبَةً . وممَّا بقي على المُؤَلِّف من هذه المادَّة : سَبَأَ على يمينٍ كاذبةٍ يَسْبَأُ سَبْأً : حَلَفَ وقيل : سَبَأَ على يمينٍ يَسْبَأُ سَبْأً : مرَّ عليها كاذباً غير مُكتَرِثٍ بها وقد ذَكرهما صاحبُ المحكم والصحاح والعُباب . وصالح بن خَيْوان السَّبَائيّ الأَصحّ أَنَّه تابعيّ وأَحمد بن إبراهيم ابن محمد بن سَبَا الفقيهُ اليمنيُّ من المتأَخِّرين