ذَابَ يَذُوبُ ذَوْباً وَذَوَبَاناً مُحَرَّكَةً : ضِدُّ وفي لسان العرب : نَقِيضُ جَمَدَ ومن المجاز : ذَابَ دَمْعُهُ وله دُمُوعٌ ذَوَائِبُ ونَحْنُ لاَ نَجْمُدُ في الحَقِّ وَلاَ نَذُوبُ في البَاطِلِ وهَذَا الكَلاَمُ فيه ذَوْبُ الرُّوحِ كذا في الأَساس
وأَذَابَهُ غَيْرُه وأَذْيَبَهُ وذَوَّبَه وأَذَابَهُ الهَمُّ والغَمُّ
وذَابَتْ حَدَقَتُهُ : هَمَعَتْ وذَابَ جِسْمُهُ : هُزِلَ يُقَالُ : ثَابَ بَعْدَ ما ذَابَ وكُلُّ ذلك مجازٌ ومن المجاز أَيضاً : ذَابَتِ الشَّمْسُ : اشْتَدَّ حَرُّهَا قال ذو الرمة :
" إذَا ذَابَتِ الشَّمْسُ اتَّقَى صَقَرَاتِهَابِأَفْنَانِ مَرْبُوعِ الصَّرِيمَةِ مُعْبِلِ وذَاب إذَا سَالَ قَال الراجز :
" وَذَابَ لِلشَّمْسِ لُعَابٌ فَنَزَلْ ويقال : ذَابَتْ حَدَقَةُ فُلاَنٍ إذَا سَالَتْ وذَابَ إذَا دَامَ وفي لسان العرب : قَامَ عَلَى أَكْلِ الذَّوْبِ وهو العَسَل وذَابَ الرَّجُلُ إذا حَمُقَ بَعْدَ عَقْلٍ وظَهَرَ فيه ذَوْبَةٌ أَي حَمْقَةٌ ويقال في المثل : " مَا يَدْرِي أَيُخْثِرُ أَمْ يُذِيبُ " وذلك عندَ شِدَّةِ الأَمْرِ قال بِشْرُ بنُ أَبِي خَازِمٍ :
" وكُنْتُمْ كَذَاتِ القِدْرِ لَمْ تَدْرِ إذْ غَلَتْأَتُنْزِلُهَا مَذْمُومَةً أَمْ تُذِيبُهَا أَي لا تَدْرِي أَتَتْرُكُهَا خَاثِراً أَمْ تُذِيبُهَا وذلك إذَا خَافَتْ أنْ يَفْسُدَ الإِذْوَابُ وسيأْتِي مَعْنَى الإِذْوَابِ وقيلَ : هو من قولِهِم : ذَابَ لِي عَلَيْه حَقٌّ : وَجَبَ وَثَبَتَ وذَابَ . عَلَيْهِ منَ الأَمْرِ كَذَا ذَوْباً : وَجَبَ كَمَا قالُوا : جَمَدَ وَبَرَد وقال الأَصمعيُّ : هُوَ مِنْ ذَابَ : نَقِيضُ جَمَدَ وأَصلُ المَثَلِ في الزُّبْدِ وفي حديث عَبْدِ اللهِ " فَيَفْرَحُ المَرْءُ أَنْ يَذُوبَ لَهُ الحَقُّ " أَي يَجِبَ وهو مجازٌ وقال أَبو الهَيْثَمِ : يُذِيبُهَا : يُبْقِيهَا من قولك : مَا ذَابَ في يَدِي شيْءٌ أَي مَا بَقِيَ وقال غيرُه يُذِيبُهَا : يُنْهِبُهَا وذّابَ عَلَيْهِ المَالُ أَي حَصَلَ ومَا ذَابَ في يَدِي منه خَيْرٌ أَي مَا حَصَلَ واسْتَذَبْتُهُ : طَلَبْتُ منه الذَّوْبَ عَلَى عَامَّةِ ما يَدُلُّ عليه هذا البِنَاءُ ومن المجاز : هَاجِرَةٌ ذَوَّابَةٌ : شَدِيدَةُ الحَرِّ قال الشاعر :
وظَلْمَاءَ مِنْ جَرَّى نَوَارِ سَرَيْتُهَا ... وهَاجِرَةٍ ذَوَّابَةٍ لاَ أَقِيلُهَا والذَّوْبُ : العَسَلُ عَامَّةً أَو هو ما في أَبْيَاتِ النَّحْلِ من العَسَلِ خاصَّةً أَو ما خَلَصَ مِنْ شَمْعِه ومُومِهِ قال المُسَيَّبُ بن عَلَسٍ :
شِرْكاً بِمَاءِ الذَّوْبِ يَجْمَعُهُ ... فِي طَوْدِ أَيْمَنَ مِنْ قُرَى قَسْرِ والمِذْوَبُ بالكَسْرِ : مَا يُذَابُ فيهِ والذَّوْبُ : مَا ذَوَّبْتَ مِنْهُ والمِذْوَبَةُ بهَاءٍ : المِغْرَفَةُ عن اللِّحْيانيّ والإِذْوَابُ والإِذْوَابَةُ بكَسْرِهِمَا : الزُّبْدُ يُذَابُ في البُرْمَةِ للسَّمْنِ فلا يَزَالُ ذلك اسْمَه حتَّى يُحْقَنَ في سِقاءٍ وقال أَبو زيد : الزُّبْدُ حِينَ يَحْصُلُ في البُرْمَةِ فَيُطْبَخُ فهُوَ الإِذْوَابَةُ فإنْ خُلِطَ اللَّبَنُ بالزُّبْدِ قِيلَ : ارْتَجَنَ وفي الأَساس من المجاز : هُوَ أَحْلَى مِنَ الذَّوْبِ بالإِذْوَابَةِ أَي مِنْ عَسَلٍ أُذِيبَ فَخُلِّصَ منه شَمْعُه
ومن المجاز الإِذابَةُ : الإِغَارَةُ وأَذَابُوا عَلَيْهِمْ : أَغَارُوا وفي حَدِيث قُسٍّ :
" أُذِيبُ اللَّيَالِي أَوْ يُجِيبَ صَدَاكُمَا أَي أَنْتَظِرُ في مُرُورِ اللَّيَالِي وذَهَابِهَا منَ الإِذَابَةِ والإِذَابَةُ : النُّهْبَةُ اسْمٌ لا مَصْدَرٌ واستشهدَ الجوهريّ هنا ببيت بشر بن أَبي خازم :
" أَتَتركها مَذْمُومَةً أَمْ تُذِيبُهَا وشَرَحَه بقوله أَي تُنْهِبُهَا وقال غيرُه : تُثْبِتُهَا وقد تَقَدَّم وأَذَابُوا أَمْرَهُمْ : أصْلَحُوهُ وفي الحديث " مَنْ أَسْلَمَ على ذَوْبَةٍ أَوْ مَأْثَرَة فَهِيَ لَهُ " الذَّوْبَةُ : بَقِيَّةُ المَال يَسْتَذِيبُهَا الرَّجُلُ أَي يَسْتَبْقِيهَا والمَأْثَرَةُ : المَكْرُمَةُ
والذُّوبَانُ بالذَمّ : الصَّعَالِكُ واللصُوصُ لُغَةٌ في الذُّؤْبَانِ بالهَمْزِ خُفِّفَ فانْقَلَبَتْ واواً
والذُّؤْبَانِ بالهَمْزِ خُفِّفَ فانْقَلَبَتْ واواً
والذُّوبَانُ بالضَّمِّ والذِّيبَانُ بالكَسْرِ : بَقِيَّةُ الوَبَرِ أَو الشَّعرِ على عُنُقِ الفَرَسِ أَو البِعِيرِ ومِشْفَرِهِ وهما لُغَتَانِ وعَسَى أَنْ يَكُونَ مُعَاقَبَةً فتدْخُلَ كُلُّ واحِدَةٍ مِنْهُمَا على صَاحِبَتِهَا
وعن ابن السّكّيت الذَّابُ بمَعْنَى العَيْبِ مِثْلُ الذَّامِ والذَّيْمِ والذَّانِ
ومِنَ المَجَازِ نَاقَةٌ ذَوُوبٌ كصَبُورٍ : سَمِينَةٌ لأَنَّهَا تَجمَع فيها ما يُذَابُ زاد الصاغانيّ : وليْسَتْ في غَايَةِ السِّمَنِ
وذَوَّابٌ كَشَدَّادٍ : صَحَابِيٌّ كان يَمُرُّ بالنبيّ صلى الله عليه وسلم ويُسَلِّمُ عليه وإسْنَادُه ضَعِيفٌ أَوْرَدَه النَّسَائِيُّ كذا في المُعْجَم
ومن المجاز : أَذَابَ حَاجَتَهُ واسْتَذَابَهَا لِمَنْ أَنْضَجَ حَاجَتَهُ وأَتَمَّهَا
وذَوَّبَهُ تَذْوِيباً : عَمِلَ لَهُ ذُوَابَةً وفي حديث ابنِ الحَنَفِيَّةِ " أَنَّهُ كَانَ يُذَوِّبُ أُمَّهُ " أَي يَضْفِرُ ذُؤَابَتَهَا قال أبو منصور : والأَصْلُ فيه الهَمْزُ لأَنَّ عينَ الذُّؤَابَةِ هَمْزَةٌ ولكِنَّه جَاءَ وفي بعض النسخ : جَارٍ علَى غَيْرِ قِيَاسٍ أَي جَاءَ غيرَ مهموزٍ كَمَا جَاءَ الذَّوَائِبُ عَلَى خِلاَفِ القِيَاسِ
كَذَبَ يَكْذِبُ من باب ضَرَبَ كَذِباً كَكَتِفٍ قال شيخُنا : وهو غريب في المصادر حتى قالوا : إنّه لم يَأْتِ مصدر على هذا الوزنِ إلاّ أَلفاظاً قليلة حَصَرَها القَزّازُ ي جامِعه في أَحَدَ عَشَرَ حرفاً لا تَزيدُ عليها فذَكَرَ : اللَّعِبَ والضَّحِكَ الحَبِقَ والكَذِبَ وغيرَها . وأَمّا الأَسْماءُ الَّتِي ليست بمصادِرَ فتأْتي على هذا الوزن كثيراً . وكذْباً بالكسرِ هكذا مضبوطٌ في الصَّحاح قال شيخُنا : وظاهر إطلاقه أَن يكون مقتوحاً وليس كذلك وصرَّح ابْنُ السّيد وغيرهُ أَنّه ليس لُغَةً مستقِلّةً بل هو بنقْلِ حَركةِ العين إلى الفاءِ تخفيفاً ولكنّه مسموعٌ في كلامهم على أَنَّهم أَجازُوا هذا التَّخفيف في مثله لو لم يُسْمَعْ . وَكِذْبَةً بالكسر أَيضاً على ما هو مضبوط عندَنا وضبطَه شيخُنا كَفَرِحٍة ومثْلُهُ في لسان العرب وَكِذْبَةً بفتح فسكون كذا ضُبِطَ وضبطه شيخُنا بالكسر ومِثْلُه في لسان العرب . قال : وهاتانِ عن اللِّحْيَانيّ . قلتُ : وهو الَّذي زعم أنّه زاده ابْن عُدَيْس أَي : الفتح : وكِذَاباً وكذَّاباً ككِتَاب وجِنَّان أَنشدَ : اللِّحْيَانيّ في الأَوّل :
نَادَتْ حَلِيمَةُ بالوَداعِ وآذَنَتْ ... أَهْلَ الصّفاءِ وودَّعَتْ بِكِذَابِ
قال شيخُنا : وهُما مَصدرانِ قُرئ بِهِمَا في المُتَوَاتِر . يقال : كاذَبْتُه مُكَاَذَبَةُ وكِذَاباَ ومنه قراءَةُ علىّ والعُطاردىِّ والأَعمش والسُّلَمىّ والكِسَائيّ وغيرِهم " ولا كذاباً " . وقيل : هو مصدرُ : كَذَبَ كِذَاباً مثلُ كَتَبَ كِتَاباً . وقالَ اللِّحْيَانيّ قال الكِسائُّي : أَهْلُ اليَمنِ : يجَعلُونَ المصدَرَ من فَعَّلَ : فِعَّالاً : وغيرُهُم من العرب : تَفْعِيلاً وفي الصَّحاح قولُه تَعالى " وَكَذَّبُوا بِآيَاتنَا كِذَّاباً " وهو أَحَدُ مصادرِ المُشَدَّدِ لأَن مصدرَهُ قد يجئُ على تَفعيل كالتَّكليم وعلى فِعّالٍ مثل كِذَّابٍ وعلى تَفْعِلَة مثل تَوْصِيَةٍ وعلى مُفَعَّل مقل : وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ . قلت ُ : وفاته : كُذَّاباً كرُمَّانٍ وبه قرأَ عُمَرُ بْنُ عبدِ العزيزِ ؛ ويكون صِفِةً على المُبَالَغَة كوُضّاءٍ وحُسَّانٍ يقال : كَذَبَ كُذَّاباً أَيْ : مُتَنَاهِياً . وهُوَ كاذِبٌ وكَذَّاب كَكَتَّانٍ والأُنثى بالهاءِ عن اللِّحْيَانيّ : رَجُلٌ تكِذَّاب وتِصِدَّاق بكسرتَيْنِ وشَدِّ الثّالث أَي : يَكْذِبُ ويَصْدُقُ رجلٌ كَذُوبٌ وكذلك رُؤيا كَذُوبٌ أَي : صاحبُهَا كاذبٌ ؛ أَنشد ثعلب :
فَحَيَّتْ فَحَيَّاهَا فَهَبَّ فَحَلَّقَت ... مَعَ النَّجْم رُؤيا في المنامِ كَذُوبُ ومن أَمْثَالِهم : إنّ الكَذُوبَ قد يَصْدُقُ . وهو كقولهم " مَعَ الخَوَاطئِ سهْمٌ صائبٌ وكَذُوبَةٌ بزِيَادَةِ الهَاءِ كفَرُوقَة وكَذْبانُ كسَكْرَانَ وكَيْذَبانُ بزيادة المُثَنَّاِة التَّحْتِيَّة وفَتْح الذّالِ كذا هو بخطّ الأَزْهَرِي في كتابه وكَيْذُبَانُ بضمّ الذّال كَذَا في نُسْخَةِ الصّحاح وكُذُبْذُبٌ بالضَّمّ مُخَفَّفٌ . قال الشيخُ أبو حَيّانَ في الارتشافِ لم يَجِئْ في الكلام العَرَب كلمةٌ على فُعُلْعُلٍ إِلاّ قَوْلُهم : كُذُبْذُبٌ . قال شيخُنا : وقد صرّح به ابنُ عُصْفُور وابْنُ القطّاعِ وغيرُهما . قلتُ : ولم يِذْكُرْه سِيبَوَيْه فيما ذَكَرَ من الأَمثلة كما نقله الصْاغانيّ . قد يُشَدَّدُ فيُقَالُ : كُذُّبْذُبٌ حكاه ابْنُ عُدَيْسٍ وغيُره ونَقَلَهُ شُرَّاحُ الفَصِيح . وأَنشد الجَوْهَرِيُّ لأَبِي زَيْدٍ :
وإذا اتاك بأَنَّني قد بعْتُها ... بِوِصالِ غانيَةٍ فُقْلُ كُذُّبْذُبُ وفي نُسْخَةٍ : " قد بِعْتُهُ " ويُقَالُ : إنَّه لجُرَيْبَةَ بْنٍ الأَشْيَمِ جاهليّ وفي الشَّواذِّ عن أَبي زَيْد :
" فإِذا سَمِعْتَ بِأَنَّنِي قَدْ بِعْتُهُيقول : إذا سَمِعْتَ بأَنَّنِي قد بِعْتُ جَمَلِي بوِصالِ امْرَأَة فقُلْ : كُذُّبْذُبٌ . كذا في هامش نُسْخَة الصَّحاح . وقال ابْنُ جنِّي : أَمَّا كُذُّبْذُبٌ خفيفٌ وكُذُّبْذُبٌ مُشَدَّدٌ منه فهاتان لم يَحْكِمها سِيْبَوَيْه . رَجلٌ كُذَبَةٌ مثالُ هُمَزَة نقله ابْنُ عُدَيْس وابنُ جِنِّي وغيرُهما وصرَّح به شُرَّاحُ الفصيح والجَوْهَرِيُّ . وهو من أَوْزَانِ المُبَالغة كما لا يخفَى . قاله شيخُنا . ومَكْذَبَانُ بفتح الأَوّل والثالِث كذا في الصَّحاح مضبوطٌ وضُبطَ في نسختنا بضمّ الثّالث ومَكذْبَاَنَة بزيادة الهاءِ . نقلهما ابْنُ جِنَّي في شرح ديوان المتّنبي وابْنُ عُدَيْسٍ وشُرّاحُ الفصيح عن أَبي زيد ؛ وكُذُبْذُبانُ بالضَّمِّ وزيادة الأَلِف والنُّون قال شيخُنَا : وهو غريبٌ في الدَّواوينِ . وقد فَرغَ المصنِّفُ من الصِّفات وأنتقل إلى ذكر إلى يَدُلُّ على المصدر من الأَلفاظ فقال : والأُكْذُوبَة والكُذْبَي بضمهما الأَخير عن ابْنُ الأَعْرابِيّ والمَكْذُوبُ كالمَيْسور من إطلاق المفعول الثّلاثّي على المصدر وهو قليل حَصَروُا أَلفاظَهُ في نحو أَربعةٍ ويُستدرَكُ عليهم هذا . قالَهُ شيخُنا . والمَكْذُوبَة مؤنَّثٌَ وهو أَقُّل من المُذَكَّر والمَكْذَبَةُ على مَفْعَلَةٍ مَصدرٌ مِيميٌّ مَقِيسٌ في الثُّلاثّي رواه ابْنُ الأَعْرابِيّ والكاذِبَةُ والكُذْبَانُ والكُذَابُ بضمِّهما : كلّ ذلك : بمعنى الكَذِبِ . قال الفَرَّاءُ يَحْكِي عن العرب : إِنّ بَنِي نُمَيْرٍ ليس لهم مَكذوبةٌ . وفي الصَّحاح وقولُهم إِنَّ بني فُلان ليس لجَدِّهم مَكذوبةٌ أَي : كَذبٌ قَلتُ : وحكاه عنهم أبو ثَرْوانَ وقالَ الفَرّاءُ أَيضاً في قوله تعالَى : " لَيْسَ لوقْعَتِهَا كاذِبَة " أَيْ : ليس لها مَرودةٌ ولا رَدٌّ فالكاذبة هُنا مصدر . وقال غيرُهُ : كَذَبَ كَاذِبَةً وعافاهُ الله عافِيَةً وعاقَبَه عاقِبَةً أَسماءٌ وُضِعتْ مَوَاضعَ المصادرِ ومثَلُهُ في الصَّحاح . ويقالُ : لا مَكْذَبة ولا كُذْبَى ولا كُذْبان أَيْ : لا أَكْذِبُكَ . وفي شرح الفصيح لأَبي جَعْفَرٍ اللَّبْليّ : ولا كُذْبَ لك ولا كُذْبَى بالضَّمّ أَي : لا تَكْذِيبَ . فزادَ على المُؤَلِّف بِناءً واحداً وهو الكُذْبُ كقُفْلٍ . وقوله تعالى : ناصيَة كاذِبَةٍ أَي : صاحُبها كاذبٌ فأَوْقَع الجُزءَ مَوِقْعَ الجَملةِ . وأَكْذَبَه : أَلْفاهُ أَي : وجَدَه كاذِباً أَو قال له : كذَبْتَ . وفي الصَّحِاح : أَكْذَبْتُ الرَّجُلَ : أَلْفَيتُه كاذِباً . وكَذَّبْتُه إِذا قُلْتَ له : كَذَبْتَ . وقال الكِسِائيُّ أَكْذَبْتُه إِذا أَخبرتَ أَنَّ جاءَ بالكَذِبِ ورَوَاهُ وكَذَّبْتُهُ : إِذا أَخبرتَ أَنَّه كاذبٌ . قال ثعلب : أَكْذَبَه وكَذَّبَه . بمعنىً . وقديكونُ أَكْذَبَهُ بمعنَى حَمَلَهُ على الكَذِبِ قد يكونُ بمعنَى بَيَّنَ كَذِبَهُ وبمنَى وَجَدَهُ كاذباً كما صرّح به المُؤَلِّفُ : من المَجَاز عن أَبِي زيد : الكَذُوبُ والكَذُوبَةُ : من أَسماءِ النَّفْسِ وعلى الأَوّل اقتصرَ جماعةٌ . قال :
إنِّي وإِنْ مَنَّتْنيَ الكَذُوبُ ... لَعالِمٌ أَنْ أَجَلِي قَرِيبُوكُذِبَ الرجُل بالضمّ والتخفيف أُخْبِرَ بالكَذِبِ . والكَذّابانِ : هما مُسَيْلمَةُ مُصَغَّراً ابْن حَبيبٍ الحَنَفِيُّ من بني حَنيفةَ بْنِ الدُّولِ والأَسْودُ ابْن كَعْبٍ العَنْسِيّ من بني عَنْس خَرَجَ باليَمَن . من المَجَاز عن النضْر يقال : النّاقَةُ الَّتِي يَضْرِبُها الفَحْل فتَشُوُل ثُمَّ تَرجِعُ حائلاً : مُكَذِّبُ وكاذِبٌ بلا هاءٍ . وقد كَذَبَتْ بالتّخفيف وكَذَّبَتْ بالتَّشديد . عن أَبي عَمْرو : يُقَالُ لمَنْ يُصاحُ به وهو ساكتٌ يُرِى أَنَّهُ نائمٌ : قد أَكْذَبَ الرَّجُلُ . وهو الإِكذابُ بهذا المعنى وهو مَجاز أَيضاً . وعن ابنِ الأَعْرابِيّ : المَكْذُوبَة : المَرْأَةُ الضّعِيفَةُ . والمذكوبةَ : المَرْأَةُ الصّالحَةُ وقد تقدَّم . وكَذَّابُ بَنِي كَلْبِ بْنِ وَبْرَةَ : هو خَبّابُ بالمُعْجَمة والمُوَحَّدةِ والتّشديد وفي نسخةٍ : جَنابٌ بالجيم والنّون والتّخفيف بْنُ مُنْقِذ بْنِ مالِكٍ . وكَذَّابُ بَنِي طابِخَةَ وهو من كَلْبٍ أَيضاً . كذلك كَذَّابُ بَنِي الحِرْماِز واسْمُهُ عبدُ الله بْنُ الأَعْوَرِ . والكَيُذْبَانُ المُحَارِبيّ بضم الذّال المُعْجَمة واسْمُهُ عَدَيُّ بْنُ نَصْرِ ابْنِ بذاوةَ : شُعَراءُ معروفونَ . من المَجَاز : كَذَبَ قد يَكُون بمعنى وَجَبَ ومنه حديث عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنه كَذَبَ عَلَيْكُمُ الحَجُّ كَذَبَ عليكم العُمرَةُ كَذَبَ عَلَيْكمْ الجِهَاد ثلاثةُ أَسْفَارٍ كَذَبْنَ عَلَيْكُمْ " فقيل : إِنّ معناها وَجَبَ عليكم . أَن المُرَادَ بالكَذِب التَّرغيبُ والبَعُث من قولهم : كَذَبَتْه نَفْسُه : إِذا مَنَّتْهُ الأَمَانِي بغيرِ الحَقّ وخَيَّلَتْ إِلَيْهِ منَ الآمالِ البعيدةِ ما لا يَكادُ يَكُونُ ولذلك سُمِّيَتِ النَّفْسُ : الكَذُوبَ كما تقدّم . وذلك مما يُرَغِّبُ الرَّجُلَ في الأُمور ويبعَثُهُ على التَّعرّّض لها . قال أَبو الهَيْثَم في قول لَبيد :
" أَكذِبِ النَّفْسَ إذا حَدَّثْتهَا يقول : مَنِّ نَفْسَكَ بالعيش الطَّويل لتَأمُلَ الآمالَ البعيدةََ فَتجَّد في الطَّلَب لأن : إذا صَدَقْتَهَا فقلتَ : لعلّكِ : تَمُوتينَ اليومَ أو غَداً قَصُر أَمَلُهَا وضَعُفَ طَلَبُها . انتهى
ويقولون في عكس ذلك : صَدَقَتْهُ نفْسُه : إذا ثَبَّطَتْهُ وخَيَّلَتْ إليه المَعْجَزَةَ في الطَّلَبِ . قال أََبو عمرو بْنُ العَلاء : يقال للرجلِ يَتهَدَّدُ الرَّجُلَ ويتَوعَّدهُ ثم يَكْذبِ ويَكُعُّ : صَدَقَتْهُ الكَذُوبُ ؛ وأنشدَ :
فأَقْبَل نَحوِي على قُدْرَةٍ ... فَلَمّا دَنَا صَدَقَتْهُ الكَذُوبُ وأنشد الفّراءُ :
" حَتَّى إِذا ما صَدَّقَتْهُ كُذُبُهْأَيْ : نُفُوسُه جعل له نفوساً لتَفَرُّق الرَّأْيِ وانْتشارِه . فمعنى قوله كَذَبَكَ الحَجُّ : أَيْ : لِيُكَذِّبْكَ الحَجُّ أَيْ : لِيُنَشِّطْك ويَبْعَثْكَ على فِعْلِه . وقال الزَّمَخْشَرِيُّ : معنى كَذَبَ عليكمُ الحَجُّ : على كلامَيْنِ كأَنَّه قال كذَبَ الحَجُّ عليكَ الحَجُّ أَي : لِيُرَغِّبْكَ الحَجُّ وهو واجبٌ عليك فأَضْمَرَ الأَوّل لِدِلاَلة الثّاني عليه ؛ ومَن نَصَبَ الحَجَّ أَيْ جَعله منصوباً كما رُوِيَ عن بعضهم فقد جَعَلَ عَلَيْكَ اسم فِعْلٍ وفي كَذَبَ ضَمِيرُ الحَجِّ وعَلَيْكُم الحَجّ : جملةٌ أُخْرَى والظّرف نُقِلَ إِلى اسْمِ الفِعْلِ كعَلَيْكُم أَنْفُسَكُم وفِيه إِعادةُ الضَّمير على متأَخّرٍ إِلاَّ أَنْ يلْحَقَ بِالأَعْمَال فإِنّه معتَبَرٌ فيه مع ما في ذلك في التّنافُرِ بين الجُمَلِ وإِنْ كانَ يستقيم بحَسَب ما يَؤُول إِليه الأَمرُ . على أَنّ النّصْبَ أَثْبتَه الرَّضِيُّ وجعل " كَذَبَ " اسْمَ فِعْل بمعنى الْزَمْ وما بَعدَهُ منصوبٌ به ورُدَّ كلامُه بأَنَّهُ مخالِفٌ لإجماعهم . وقيل إن النَّصْبَ غيرُ معروفٍ بالكُلِّيّة فيه كما حقّقه شيخُنا على ما يأتي . وفي الصَّحاح : وهي كلمة نادِرَة جاءَت على غيرِ قياسٍ . وعن ابْنُ شُمَيْلٍ : كَذَبَك الحَجُّ : أَيْ أَمْكَنَك فَحُجَّ ؛ وكَذَبَك الصَّيْدُ أَي : أَمْكَنَكَ فَارْمِه . أو المعْنَى : كَذَبَ عَليْكَ الحَجُّ إن ذَكَر أنَّه غَيْرُ كافٍ هادمٍ لما قبلَهُ من الذُّنُوبِ . قال الشاعر وهو عَنْتَزَةُ العَبْيُّ يُخَاطب زوجَتَهُ عَبْلَةَ قيل : لخُزَزَ بْنَ لَوْذانَ السَّدُوِسيّ وهو موجود في ديوانهما :
كَذَبَ العَتِيقُ وماءُ شَنٍّ بارِدٍ ... إنْ كُنْتِ سائِلتَيِ غَبُوقاً فاذْهَبيِ ومُضَرُ تَنْصبُ العَتيقَ بعدَ " كَذَبَ " على الإغْرَاء واليَمَنُ تُرَفْعَهُ . والعَتيقُ التَّمْرُ اليابِسُ . والبيت من شواهِدِ سيبويه وأَنشده المُحَقِّقُ الرَّضىُّ في أَوائل مبحث أَسماءِ الأَفعال شاهداً على أنَّ " كَذَبَ " في الأصل فِعْلٌ وقد صار اسم فِعْلٍ بمعنى الزَمْ قال شيخُنا : وهذا أَي : كونُهُ اسْمَ فِعْلٍ شَيءٌ انفرد به الرَّضىُّ . وانظرْ بقيَّتَهُ في شرح شيخِنا . ثمّ إنّه تقدَّمَ على أنَّ النَّصْبَ قد أَنكَرَهُ جماعةٌ وعَيَّنَ الرَّفعَ منهم جماعةٌ منهم أَبو بَكْرِ بْنُ الأَنْبَاريِّ في رسالة مستقلَّةِ شَرَحَ فيها معانيَ الكَذبِ وجعلَها خمسةً قال : كَذَب معناه الإغراءُ . ومُطالَبَةُ المُخَاطَب بلُزُومِ الشَّيءِ المذكور كقول العرب : كذبَ عليك : العَسَلُ ويردُونَ : كُلِ العسلَ فغلب المُضافَ إليه على المُضَاف . قال : عُمَرُ بْنُ الخَطَّاب : " كذَبَ عَلَيْكُم الحَجُّ كَذَبَ عَلَيْكُمُ العُمْرَةُ كَذَبَ عَلَيْكُمُ الجِهَادُ ثلاثةُ أَسْفارٍ كَذَبْنَ عَلَيْكُم " معناه : الْزَمُوا الحَجَّ والعُمْرَةَ والجِهَادَ ؛ والمُغْرَى به مرفوعٌ بكَذَبَ لا يجوز نصبهُ على الصِّحَة لأَنَّ كَذَبَ فِعْلٌ لا بُدَّ له من فاعل وخَبَرٌ لا بُدَّله من مُحَدَّث عنه . والفعل والفاعل كلاهُما تأْويلُهما الإِغْرَاءُ . ومن زَعَمَ أَنَّ الحَجَّ والعُمْرَةَ والجِهَادَ في حديثِ عُمَرَ حُكْمُهنَّ النَّصْبُ لمْ يُصِبْ إِذ قَضَى بالخُلُوِّ عن الفاعل . وقد حكى أَبو عُبَيْدٍ عن أَبي عُبَيْدَةَ عن أَعْرَابِيّ أَنَّه نَظَرَ إِلى ناقةٍ نِضْوٍ لِرَجُل فقال : كَذَبَ عَلَيْكَ الَبزْرَ والنَّوَى . قال أَبو عبيد : لم يُسْمَعِ النَّصْبُ مع " كَذَب " في الإِغراءِ إِلاّ في هذا الحرف قال أَبو بكر : وهذا شاذٌ من القَول خارج ٌفي النَّحْو عن مِنْهَاج القِياس مُلْحَقٌ بالشَّوَاذِّ الَّتِي لا يُعَوَّلُ عليها ولا يُؤْخَذُ بها ؛ قال الشّاعرُ : " كَذَبَ العَتِيقُ " إِلى آخره معناه : الْزَمى العتيقَ هذا الماءَ ولا تُطالِبِيتي بغيرهما . والعتيقُ : مرفوعٌ لا غَيْرُ . انتهى . وقد نقل أَبو حَيّان هذا الكلامَ في تَذْكِرته وفي شرح التَّسْهِيل وزاد فيه بأَنّ الّذي يَدُلُّ على رفع الأَسماءِ بعد " كَذَبَ " أَنَّه يتَّصل بها الضَّمير كما جاءض في كلامِ عُمَرَ : ثلاثةُ أَسفارٍ كَذَبْنَ عليكم . وقال الشّاعرُ :كَذَبْتُ عَلَيْكَ : لا تَزالُ تَقُوفُنِي ... كما قافَ آثَارَ الوَسِيقَةِ قائِفُ معناه : عليكَ بي وهي مُغْرًي بها واتَّصلت بالفعل لأِنَّه لو تأَخّر الفاعلُ لَكَانَ منفصلاً . وليس هذا من مواضع انفصاله . قلتُ : وهذا قولُ الأَصعميّ : كما نقله أَبو عُبَيْد قال : إِنّما أَغراه بنَفْسهِ أَيْ عليكَ بي فجعل نَفْسَهُ في موضع رَفْعٍ أَلا تراهُ قد جاءَ بالتَّاءِ فجعَلَها اسْمَهُ . وقال أََبو سَعِيدٍ الضَّرِيرٌ في هذا الشِّعر : أَي ظَنَنْتُ بك أَنّك لا تنامُ عن وِتْرِي فَكَذَبْتُ عَلَيْك . قال شيخُنا : قلت : والصَّحيحُ جوازُ النَّصْبِ لِنَقْلِ العُلَمَاءِ أَنَّهُ لُغَةُ مُضَرَ والرَّفْعُ لُغَةُ اليَمَن ووجهُه مع الرَّفْعِ أَنّه من قَبِيلِ ما جاءَ من أَلفاظِ الخَبَر الَّتي بمعنى الإِغْرَاءِ كما قال ابْنُ الشَّجَرِيّ في أَمالِيه : " تُؤْمِنُون بالله " أَي آمِنُوا باللهِ ورحِمَهُ الُله : أَي اللّهُمَّ ارْحَمْهُ وحَسْبُكَ : زَيْدٌ : أَي اكْتَفِ به ؛ ووجهُهُ مع النَّصْبِ من باب سِرايَةِالمعنى إِلى اللَّفْظ فإِنَّ المُغْرَى به لَمّا كان مفعولاً في المعنى اتصلتْ به علامةُ النَّصب ليُطَابِقَ اللّفظُ المعنى . انتهى
وفي لسان العرب بعدَ ما ذكَرَ قولَ عَنْتَرَةَ السّابقَ : أَي يقولُ لها : عليكِ : بأَكْلِ العَتِيقِ وهو التَّمْرُ اليابسُ وشُربِ الماءِ البارِدِ ولا تَتَعَرَّضيِ لغِبُوقِ اللَّبَنِ شُرْبُه عَشيّاً ؛ لأَنّ اللّبَنَ خَصَصْتُ به مُهْرِي الّذي أَنْتفع به ويُسَلِّمُني وإِيّاكِ . وفي حَدِيث عُمَرَ : أَنَّ عَمْرَو بنْ مَعْدِ يكربَ شَكَا إِليه النِّقْرِسَ فقال : " كَذَبتْكَ الظَّهَائِرُ أَي : عليكَ بالمشْي في الظَّهائر وهي جمعُ ظَهيرَة وهي شدة الحَرّ وفي رواية " كذبَ علي : الظواهرُ " جمع ظاهِرَةٍ وهي ما ظَهَرَ من الأَرض وارتفع . وفي حديث له آخرَ : " أَنّ عَمْرَو بْنَ مَعْدِ يكرِبَ اشْتكَى إِليه المَعَصَ فقال : " كَذَبَ عليكَ العَسَلُ " يريد : العَسَلانَ وهو مَشْيُ الذِّئبِ أَي : علي : بسُرْعة المَشْي . والمَعَصُ بالعين المهملة : الْتِواءٌ في عَصَب الرِّجْل . ومنه حديثُ علىٍّ : " كَذَبَتْكَ الحارِقَةُ " أَي : عليك بمثلها والحارِقَةُ : المرأَة التي تَغْلبُهَا شهوتُها وقيل : هي الضَّيِّقةُ الفَرْجِ قلتُ : وقرأْتُ في كتاب استدراك الغَلَط لأَبِي عُبَيْدٍ القاسمٍ بْنِ سَلاَّمٍ قولَ مُعَقِّرِ بْنِ حِمَارٍ البارِقيّ :
وذُبْيَانيَّة أًوْصَتْ بَيِنها ... بأَنْ كَذَبَ القَراطِفُ والقُرُوفُ أَي : علَيكم بها . والقَراطِف أَكْسِيَةٌ حُمْرٌ والقُروفُ : أَوْعِيَةٌ من جِلْد مدبوغٍ بالقِرْفَة بالكسر وهي قُشُورُ الرُمَّانِ فهي أَمَرَتْهُم أَن يُكْثِرُوا من نَهْبِ هذَيْنِ الشَّيئَينِ والإِكثارِ من أَخْذِهما إِنْ ظَفِرُواببني نَمِرٍ وذلك لحاجتهم وقلِّةِ مالهم . قلتُ : وعلى هذا فَسَّرُوا حديث : " كَذَبَ النَّسّابُون " أَي : وجب الرُّجوعُ إِلى قولهم . وقد أَوْدَعْنَا بيانَه في " القَول النفيس في نَسبِ مولاي إِدريس " . وفي لسان العرب عن ابْنِ السِّكّيتِ . تقول للرَّجُل إذا أَمَرَتْهُ بشْيءٍ وأَغْرَيْتَهُ : كَذَبَ عليك كَذا وكَذا أي : عليك : به وهي كَلِمَةٌ نادِرة . قالَ : وأَنشد ابْنُ الأَعْرابِيّ لخِداشِ بْنَ زُهَيْرٍ :
" كَذَبْتُ عَلَيْكُم أَوْعدُونِي وعَلِّلُوابِيَ الأرْضَ والأَقْوَامَ قِرْدَانَ َمْوظَبَاًأي : عليكم بي وبهجائي إذا كنتم في سفر واقطعو بذكري الأرض وأنشدوا القوم هجائي يا قردان موظب . وقال ابن الأثير في النهاية والزمخشري في الفائق : في الحديث " الحجامة على الريق فيها شفاء وبركة فمن احتجم فيوم الأحد والخميس كذباك أو يوم الاثنين والثلاثاء " معنى كذباك : أي عليك : بهما . قال الزمخشري : هذه كلمة جرت مجرى المثل في كلامهم فلذلك لم تتصرف ولزمت طريقة واحدة في كونها فعلا ماضيا معلقا بالمخاطب وحده وهي في معنى الأمر . ثم قال : فمعنى قوله : كذباك أي ليكذباك ولينشطاك ويبعثاك على الفعل . قلت : وقد تقدمت الإشارة إليه . نقل شيخنا عن كتاب حلى العلاء في الأدب لعبد الدائم بن مرزوق القيرواني : أنه يروي " العتيق " بالرفع والنصب ومعناه : ليك العتيق وماء شن . وأصله : كذب ذاك عليك العتيق ؛ ثم حذف عليك وناب كذب منابه فصارت العرب تغري به . وقال الأعلم في شرح مختار الشعراء الستة عند كلامه على هذا البيت : قوله كذب التيق : أي عليك بالتمر ؛ والعرب تقول : كذبك التمر واللبن أي : عليك بهما . وأصل الكذب والإمكان . وقول الرجل : كذبت أي : أمكنت من نفسك وضعفت فلهذا اتسع فيه فأغري به ؛ لأنه متى أغري بشيء فقد جعل المغري به ممكنامستطاعا إن رامه المغري . وقال الشيخ أبو حيان في شرح التسهيل بعد نقل هذا الكلام : وإذا نصبت بقي كذب بلا فاعل على ظاهر اللفظ . والذي تقتضيه القواعد أن هذا يكون من باب الإعمال فكذب يطلب الاسم على أنه فاعل وعليك يطلبه على أنه مفعول فإذا رفعنا الاسم بكذب كان مفعول عليك محذوفا لفهم المعنى والتقدير : كذب عليكم الحج وإنما التزم حذف المفعول لأنه مكان اختصار ومحرف عن أصل وضعه فجري لذلك مجرى الأمثال في كونها تلتزم فيها حالة واحدة لا يتصرف فيها . وإذا نصبت الاسم كان الفاعل مضمرا في كذب يفسره ما بعده على رأي سيبويه ومحذوفا على رأي الكسائي انتهى . من المجاز : حمل عليه فما كذب تكذيبا أي : ما انثنى وما جبن وما رجع . وكذلك حمل فما هلل وحمل ثم كذب أي : لم يصدق الحملة قال زهير :
ليث بعثر يصطاد الرجال إذا ... ما الليث كذب عن أقرانه صدقا وفي الأساس : معناه كذب الظن به أو جعل حملته كاذبة . من المجاز أيضا : قولهم : ما كذب أن فعل كذا تكذيبا أي ما كع ولا لبث ولا أبطأ وفي حديث الزبير : أنه حمل يوم اليرموك على الروم وقال للمسلمين : " إن شددت عليهم فلا تكذبوا أي لا تجنبوا وتولوا . قال شمر يقال للرجل إذا حمل ثم ولى ولم يمض : قد كذب عن قرنه تكذيبا ؛ وأنشد بيت زهير . والتكذيب في القتال ضد الصدق فيه يقال : صدق القتال إذا بذل فيه الجد وكذب : إذا جبن ؛ وحملة كاذبة : كما قالوا في ضدها : صادقة وهي المصدوقة والمكذوبة في الحملة . وفي الصحاح : تكذب فلان : تكلف الكذب . تكذب فلانا وتكذب عليه : زعم أنه كاذب قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه :
رسول أتاهم صادقا فتكذبوا ... عليه وقالوا لست فينا بماكثوكاذبته مكاذبة وكذابا : كذبته وكذبني . وكذب الرجل تكذيبا وكذابا : جعله كاذبا وقال له : كذبت . كذلك كذب بالأمر تكذيبا وكذابا بالتشيد وكذابا بالتخفيف : أنكره وفي التنزيل العزيز : " وكذبوا بآياتنا كذابا " وفيه : " لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا " أي : كذبا عن اللحياني . قال الفراء : خففهما علي بن أبي طالب جميعا وثقلهما عاصم وأهل المدينة وهي لغة يمانية فصيحة يقولون : كذبت به كذابا وخرقت القميص خراقا وكذلك كل فعلت فمصدرها فعال في لغتهم مشددة . قال : وقال لي أعرابي مرة على المروة يستفتيني : الحلق أحب إليك أم القصار ؟ وأنشد بعض بني كليب :
لقد طال ما ثبطتني عن صحابتي ... وعن حوج قضاؤها من شفائيا قال الفراء : كان الكسائي يخفف " لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا " لأنها مقيدة بفعل يصيرها مصدرا ويشدد " وكذبوا بآياتنا كذابا " لأن كذبوا يقيد الكذاب قال : والذي قال حسن ومعناه : لا يسمعون فيها لغوا أي : باطلا ولا كذابا أي : لا يكذب بعضهم بعضا . كذب فلانا تكذيبا : أخبره أنه كاذب أو جعله كاذبا بأن وصفه بالكذب . وقال الزجاج : معنى كذبته قلت له : كذبت ومعنى أكذبته : أريته إن ما أتى به كذب وبه فسر قوله تعالى " فإنهم لا يكذبونك " وقرىء بالتخفيف ونقل الكسائي عن العرب : يقال : كذبت الرجل تكذيبا : إذا نسبته إلى الكذب
من المجاز : كذب عن أمر قد أراده . وفي لسان العرب : وأراد أمرا ثم كذب عنه أي أحجم . كذب عن فلان : رد عنه . من المجاز : كذب الوحشي وكذب : جرى شوطا فوقف لينظر ما وراءه : هل هو مطلوب أم لا ؟ ومما يستدرك عليه : في الصحاح : الكذب جمع كاذب مثل راكع وركع . قال أبو دواد الرؤاسي :
" متى يقل تنفع الأقوام قولتهإذا اضمحل حديث الكذب الولعه والكذب : جمع كذوب مثل صبور وصبر ؛ ومنه قرأ بعضهم " ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب " فجعلته نعتا للألسنة . كذا في لسان العرب وزاد شيخنا في شرحه وقيل : هو جمع كاذب على خلاف القياس أو جمع كذاب ككتاب : مصدر وصف به مبالغة قاله جماعة من أهل اللغة انتهى . ورؤيا كذوب مثل ناصية كاذبة أي : كذوب صاحبها وقد تقدم الإشارة إليه . أنشد ثعلب :
فحيت فحياها فهب فحلقت ... مع النجم رؤيا المنام كذوبوالتكاذب : ضد التصادق . وفي التنزيل العزيز : " وجاؤوا على قميصه بدم كذب " روى في التفسير : إن إخوة يوسف عليه السلام لما طرحوه في الجب أخذوا قميصه وذبحوا جديا فلطخوا القميص بدم الجدي . فلما رأى يعقوب عليه السلام القميص قال كذبتم لو أكله الذئب لخرق قميصه . قال الفراء في قوله تعالى " بدم كذب " : معناه : مكذوب . قال : والعرب تقول للكذب : مكذوب وللضعف : مضعوف وللجلد : مجلود وليس له معقود رأي : يريدون عقد رأي فيجعلون المصادر في كثير من الكلام مفعولا . وقال الأخفش : بدم كذب فجعل الدم كذبا لأنه كذب فيه كما قال تعالى : " فما ربحت تجارتهم " . وقال أبو العباس : هذا مصدر في معنى مفعول أراد : بدم مكذوب . وقال الزجاج : بدم كذب أي : ذي كذب والمعنى : دم مكذوب فيه . وقرىء " بدم كدب " بالمهملة وقد تقدمت الإشارة إليه . والكذب أيضا : هو البياض في الأظفار عن أبي عمر الزاهد لغة في المهملة . وقد يستعمل الكذب في غير الإنسان قالوا : كذب البرق والحلم والظن والرجاء والطمع . وكذبت العين : خانها حسها
وكذب الرأي : توهم الأمر بخلاف ما هو به . ومن المجاز : كذبتك عينك : أرتك ما لا حقيقة له . وفي التنزيل العزيز : " حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا " بالتشديد وضم الكاف وهي قراءة عائشة وقرأ بها نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وقرأ عاصم وحمزة والكسائي : كذبوا بالتخفيف وضم الكاف وروى ذلك عن ابن عباس وقال : كانوا بشرا يعني : الرسل يذهب إلى إن الرسل ضعفوا فظنوا أنهم قد أخلفوا . قال أبو منصور : إن صح هذا عن ابن عباس فوجهه عندي والله أعلم إن الرسل قد خطر في أوهامهم ما يخطر في أوهام البشر من غير إن حققوا تلك الخواطر ولا ركنوا إليها ولا كان ظنهم ظنا اطمأنوا إليه ولكنه كان خاطرا يغلبه اليقين . كذا في لسان العرب . وهو من تكاذيب الشعر . ومن المجاز : كذب لبن الناقة وكذب . ذهب وهذه عن اللحياني . وكذب : البعير في سيره : إذا ساء سيره : قال الأعشى :
جمالية تغتلي بالرداف ... إذا كذب الآثمات الهجيراكذا في لسان العرب . ومن المجاز أيضا : كذب الحر : انكسر . وكذب السير : لم يجد . والقوم السري : لم يمكنهم . والكذابة : ثوب يصبغ بألوان ينقش كأنه موشي . وفي حديث المسعودي : " رأيت في بيت القاسم كذابتين في السقف : " الكذابة : ثوب يصور ويلزق بسقف البيت سميت به لأنها توهم أنها في السقف وإنما هي في ثوب دونه : كذا في الأساس ومثله في لسان العرب . ومما استدركه شيخنا : المكاذب قيل : هو مما لا مفرد له وقيل : وهو جمع لكذب على غير قياس . وقيل : هو جمع مكذب ؛ لأن القياس يقتضيه أو لأنه موهوم الوضع كما قالوا في محاسن ومذاكر ونحوهما . ومنها إن الجوهري صرح بأن الكذاب المشدد مصدر كذب مشددا لا محففا ؛ وأيده بآية " وكذبوا بآياتنا كذابا " وظاهر المصنف إن كلا من المخفف والمشدد يقال في المخفف . قلت . وهذا الذي أنكره هو الذي صرح به ابن منظور في لسان العرب . ثم قال : ومنها إن الجوهري زاد في المصادر : تكذبة كتوصية ومكذب كممزق بمعنى التكذيب . قلت : وزاد غير الجوهري فيها : كذبا كقفل وكذبا كضرب وهذا الأخير غير مسموع ولكن القياس يقتضيه . ثم قال : وهذا اللفظ خصه بالتصنيف فيه جماعة منهم : أبو بكر بن الأنباري والعلامة أحمد بن محمد بن قاسم ابن أحمد بن خذيو الأخسيكتي الحنفي الملقب بذي الفضائل ترجمته في البغية وفي طبقات الحنفية للشيخ قاسم
قال ابن الأنباري . إن الكذب ينقسم إلى خمسة أقسام : إحداهن تغيير الحاكي ما يسمع وقوله ما لا يعلم نقلا ورواية و هذا القسم هو الذي يؤثم ويهدم المروءة . الثاني : إن يقول قولا يشبه الكذب ولا يقصد به إلا الحق ومنه حديث : " كذب إبراهيم ثلاث كذبات " أي : قال قولا يشبه الكذب وهو صادق في الثلاث . الثالث بمعنى الخطإ وهو كثير في كلامهم . والرابع البطول كذب الرجل : بمعنى بطل عليه أمله وما رجاه . الخامس بمعنى الإغراء وقد تقدم بيانه . وعلى الثالث خرجوا حديث صلاة الوتر " كذب أبو محمد " أي : أخطأ سماه كاذبا لأنه شبيهه في كونه ضد الصواب كما إن الكذب ضد الصدق وإن افترقا من حيث النية والقصد ؛ لأن الكاذب يعلم إن ما يقوله كذب والمخطىء لايعلم . وهذا الرجل ليس بمخبر وإنما قاله باجتهاد أداه إلى إن الوتر واجب والاجتهاد لا يدخله الكذب وإنما يدخله الخطأ وأبو محمد الصحابي : اسمه مسعود بن زيد . وفي التوشيح : أهل الحجاز يقولون : كذبت بمعنى أخطأت وقد تبعهم فيه بقية الناس . وعلى الرابع خرجوا قول الله عز وجل : " انظر كيف كذبوا على أنفسهم " : انظر كيف بطل عليهم أملهم وكذا قول أبي طالب :
كذبتم وبيت الله نبزى محمدا ... ولما نطاعن حوله ونناضل وانظر بقية هذا الكلام في شرح شيخنا فإنه نفيس جدا . ومن الأمثال التي لم يذكرها المؤلف قولهم : أكذب النفس إذا حدثتها
أي : لا تحدث نفسك بأنك لا تظفر فإن ذلك يثبطك . سئل بشار : أي بيت قالته العرب أشعر ؟ فقال : إن تفضيل بيت واحد على الشعر كله لشديد . ولكن أحسن لبيد في قوله :
أكذب النفس حدثتها ... إن صدق النفس يزري بالأمل قاله الميداني وغيره ؛ ومنها " :
" كل امرئ بطوال العيش مكذوب ومنها عجز بيت من شعر أبي دواد :
" كذاب العير إن كان برح وأوله :
" قلت لما نصلا من قنةوبعده :
وترى خلفها إذ مصعا ... من غبار ساطع فوق قزح ك ب : أي فتر أمكن ويجوز إن يكون إغراء أي : عليك العير فصده وإن كان برح يضرب للشيء يرجى وإن تصعب . ثم نقل عن خط العلامة نور الدين العسيلي ما نصه : رأيت في نسخة شجرة النسب الشريف عند إيراد قوله صلى الله عليه وسلم : " كذب النسابون " . إن كذب يد يمعنى صدق ويمكن أخذه من هنا . هذا ما وجد
قال شيخنا : ووسع ابن الأنباري فقال : وعليه فيكون لفظ كذب من الأضداد كما إن لفظ الضد أيضا جعلوه الأضداد . قلت : والذي فسر غير واحد من أئمة اللغة والتصريف أي وجب الرجوع إلى قولهم . وقد تقدمت الإشارة إليه . ثم ذكر شيخنا في آخر المادة ما نصه : الكذب هو الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو سواء فيه العمد والخطأ إذ لا واسطة بين الصدق والكذب على ما قرره أهل السنة وأختاره البيانيون . وهناك مذاهب أخر للنظام والجاحظ والراغب وهذا القدر فيه مقنع للطالب . والله أعلم