اليَأَسُ واليَآسَةُ وهذا عن ابنِ عَبّادٍ واليَأْسُ مُحَرّكة : القُنُوطُ وهو ضِدٌّ الرَّجاءِ . أَو هو قَطْعُ الأَمَلِ عن الشَّيْءِ وهذِه عن ابنِ فارِسٍ كما صَرَّحَ به المُصَنِّفُ في البَصَائرِ . قلتُ : وقالَه ابنُ القَطّاعِ هكذا قال : ولَيْس في كَلامِ العَرَبِ ياءٌ في صَدْرِ الكلامِ بعدَهَا هَمْزَةٌ إلاّ هذِه . يُقَال : يَئْسَ من الشَّيْءِ يَيْأَسُ بالكَسْرِ في الماضي والفَتْحِ في المُضَارِعِ وقولُ المصنِّف كيَمْنَعُ فِيه تَسَامُحٌ ؛ لأَنّه حِينَئذٍ يكونُ بفَتْحِ العَيْنِ في الماضي والمُضَارِعِ فلو قالَ كيَعْلَمُ لأَصَابَ . وقال الجوْهَرِيّ : فيه لُغَةٌ أُخْرَى : يَئِسُ يَيْئِسُ فيهما فقولُ المُصَنِّفِ ويَضْرِبُ مَحَلُّ تأَمُّلٍ أَيْضاً والأَخِيرُ شاذٌّ قالَه سِيبَوَيْه قال الجَوْهَرِيّ : قال الأَصْمَعِيّ : يُقَال : يَئِسَ يَيْئِسُ ؛ وحَسِبَ يَحْسِبُ ونَعِمَ يَنْعِمُ بالكَسْرِ فيهِنَّ . وقال أَبو زَيْدٍ : عَلْياءُ مُضَرَ يَقُولُون : يَحْسِبُ ويَنْعِمُ ويَيْئس بالكَسْر وسُفْلاهَا بالفَتْحِ وقال سِيبَوَيْه : وهذا عندَ أَصحابِنَا إِنّمَا يَجِيءُ على لُغَتَيْنِ يعني يَئِسَ يَيْأَسُ ويَأَسَ يَيْئِسُ لُغَتَان ثمّ رُكِّبَ منهما لُغَةٌ وأَما وَمِقَ يَمِقُ ووَفِقُ يَفِقُ ووَرِمَ يَرِمُ ووَلِيَ يَلِي ووَثِقَ يَثِقُ ووَرِثَ يَرِثُ فلا يَجُوز فِيهِنّ إلاّ الكَسْرُ لُغة وَاحِدَة . وقال المُبَرّدُ : ومنهم من يُبْدِلُ في المُسْتَقْبَل من الياءِ الثانِيَة أَلِفاً فيقول : يَئِسَ ويَاءَسُ وهو يَؤُسٌ ويَؤُوسٌ كنَدُسٍ وصَبُورٍ أَي قَنِطَ كاسْتَيْأَسَ واتَّأَسَ وهو افْتَعَل فأُدْغِمَ . ويَئِسَ أَيْضاً عَلِمَ في لُغَةِ النَّخَعِ كما في الصّحاحِ وهكذا قاله ابنُ عبّاسٍ رَضِيَ الله تَعَالَى عنهما في تفسيرِ الآيَة وقال ابنُ الكَلْبِيّ : هي لُغَةُ وَهْبِيلَ : حَيّ من النَّخَعِ وهم رَهْطُ شَرِيكٍ وقال القَاسِمُ بنُ مَعْنٍ : هي لُغَة هَوَازِنَ ومِنْه قولُه عزّ وَجَلّ : أَفَلَمْ يَيْأَسِ الّذِينَ آمَنُوا . أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللهُ لهَدَىَ النّاسَ جميعاً . أَي أَفَلَم يَعْلَم وقالَ أَهلُ اللُّغَة : مَعناهُ أَفَلَمْ يَعْلَمِ الَّذِينَ آمَنُوا عِلْماً يَئِسُوا معه أَن يَكُونَ غَيْرَ ما عَلِمُوه وقِيلَ : مَعْناه أَفلم يَيْأَس ِالَّذِين آمَنُوا من إِيمَانِ هؤلاءِ الَّذِين وَصَفَهُم اللهُ تعَاَلى بأَنَّهُم لا يُؤْمِنُون . وكانَ عَلِيٌّ وابنُ عبّاسٍ رَضِيَ الله تَعَالَى عنَهْمُ ومُجَاهِدٌ وأَبو جَعْفَر والجَحْدَرِيّ وابنُ كَثِيرٍ وابنُ عامِرٍ يَقْرَءُون أَفَلَمْ يَتَبَيَّنِ الَّذِينَ آمَنُوا قيل لابنِ عَبّاس : إنّهَا يَيْأَس فقال : أَظُنّ الكاتِبَ كَتَبَهَا وهو ناعِسٌ وقال سُحَيْم بنُ وَثِيلٍ اليَرْبُوعِيُّ الرَّياحِيُّ :
" أَقُولُ لَهُمْ بالشَّعْب إِذْ يَيْسِرُونَنِيأَلَمْ تَيْأَسُوا أَنِّي ابنُ فارِسِ زَهْدَمِ يَقُول : أَلَمْ تَعْلَمُوا وقولُه : يَيْسِرُونَنِي من أَيْسَارِ الجَزُور أَيْ يَقْتَسِمُونَنِي ويُرْوَى يَأْسِرُونَنِي من الأَسْرِ وزَهْدَم : اسمُ فَرَسِ بِشْرِ بن عَمْرٍو أَخِي عَوْفِ بن عَمْرٍو وعَوْفٌ جَدُّ سُحَيْمٍ بن وَثِيلٍ قالَه أَبو محمّد الأَعْرَابِيّ ويُرْوَى : أَنّي ابنُ قاتِلِ زَهْدَمِ . وهو رَجُلٌ من عَبْسٍ فعلَى هذا يَصِحّ أَن يكونَ الشّعْرُ لسُحَيْمٍ ويُرْوَي هذا البيتُ أَيضاً في قصيدَة أُخْرَى علَى هذا الرَّوِيِّ :
" أَقُولُ لأَهْلِ الشِّعْبِ إِذْ يَيْسِرُونَنِيأَلَمْ تَيْأَسُوا أَنِّي ابنُ فارِسِ لازِمِ
وصاحِبِ أَصْحَابِ الكَنِيفِ كأَنّمَا ... سَقَاهُمْ بكَفَّيْهِ سِمَامَ الأَرَاقِمِوعَلَى هذِه الرّوَايَةِ أَيْضاً يكونُ الشِّعْرُ له دُونَ وَلَدِه لِعَدَمِ ذِكْرِ زَهْدَم في البَيْت . وفي حَدِيثِ أُمِّ مَعْبَدٍ الخُزَاعِيَّة رضي الله تعالَى عنها في صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : لا يَأْسَ مِنْ طُولٍ أَي قَامَتُه لا تُؤْيِسُ مِنْ طُولِهِ ؛ لأنّه كانَ إِلى الطُّولِ أَقْرَبَ منه إلى القِصَرِ واليَأْسُ : ضِدُّ الرَّجَاءِ وهو في الحَدِيثِ اسمٌ نَكِرَةٌ مفتوحٌ بِلا النّافِيةِ ويُرْوَى : لا يِائِسٌ مِنْ طُولٍ هكذا رَوَاه ابنُ الأَنْبَارِيّ في كِتَابِه وقال : لا مَيْؤُوسٌ منه أَيْ مِنْ أَجْلِ طُولِه أَي لا يَيْأَسُ مُطَاوِلُهُ مِنْهُ ؛ لإِفْرَاطِ طُولِهِ فيائِسٌ هُنَا بمَعْنَى مَيْؤُوسٍ كماءٍ دافِقٍ بمَعْنَى مَدْفُوقٍ . واليَأْسُ بنُ مُضَرَ بنِ نِزَارٍ أَخُو الْنَّاسِ واللاّمُ فيهِمَا كَهِىَ في الفَضْلِ والعَبّاسِ وحَكَى السُّهيْلِيّ عن ابنِ الأَنْبَارِيّ أَنّه بكَسْرِ الهَمْزَة وقد تَقَدَّم البَحْثُ فيه يُقَال : أَوَّلُ مَنْ أَصابَهُ اليَأَسُ مُحَرَّكَةً أَي السِّلُّ . وقال السُّهَيْليّ في الرَّوْضِ : ويُقَال : إِنّمَا سُمِّىَ السِّلُّ داءَ يَأَسٍ أَو داءَ اليَأَس لأَنّ الْيَأْسَ بنَ مُضَرَ ماتَ مِنْه وبه فَسَّرَ ثَعْلَبٌ قولَ أَبي العَاصِيَةِ السُّلَمِىّ :
فَلَوْ أَنَّ داءَ اليَاسِ بِي فأَعَانَنِي ... طَبِيبٌ بأَرْوَاجِ العَقِيقِ شَفانِيَا وأَيْأَسْتُه وآيَسْتُه الأَخِيرُ بالمَدّ : قَنَّطْتُه والمَصْدَرُ الإِيئاسُ على مِثال الإِيعاسِ قال رُؤْبَةُ :
كَأَنَّهُنّ دَارِسَات أَطْلاسْ ... من صُحُفٍ أَو باليَاتُ أَطْرَاسْ
فِيهنّ من عَهْدِ التَّهَجِّي أَنْقَاسْ ... إِذْ في الغَوَانِي طَمَعٌ وإِيئاسْ وقال طَرَفَة بنُ العَبْدِ :
وأَيْأَسَنِي من كُلِّ خَيْرٍ طَلَبْتُه ... كأَنّا وضَعْنَاهُ إلى رَمْسِ مُلْحَدِ وَقَرَأَ ابنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عنهما : لا يِيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ . على لُغَةِ من يَكْسِرُ أَوّلَ المُسْتَقْبَلِ إِلاَّ ما كانَ باليَاءِ وهي لُغَةُ تَمِيمٍ وهُذَيْلٍ وقَيْسٍ وأَسَدٍ كذا ذَكَرَه اللِّحْيَانِي في نوادِرِه عن الكِسَائِيّ وقالَ سِيبَوَيْه : وإِنّمَا اسْتَثْنَوْا الياءَ ؛ لأَنّ الكَسْرَ في الياءِ ثَقِيلٌ وحكَى الفَرّاءُ أَنّ بَعْضَ بَنِي كَلْبٍ يَكْسِرُون الياءَ أَيْضاً قال : وهي شاذَّةٌ كما في بُغْيَة الآمَالِ لأَبِي جَعْفَر اللَّبْلِيّ وإِنّمَا كَسَرُوا في يِيْأَسُ ويِيْجَلُ لِتَقَوِّي إِحْدَى الياءَيْنِ بالأُخْرَى وسيأْتي البَحْثُ فيه في : و ج ل إِن شاءَ الله تَعَالَى . بَقِيَ أَنّ الزَّمَخْشَرِيَّ لَمّا صَرّحَ في الأَسَاسِ أَنَّ يَئِسَ بمعْنَى عَلِمَ مَجَازٌ فإِنّه قال : يُقَال : قد يَئِسْتُ أَنّكَ رَجُلُ صِدْقٍ بمعْنَى عَلِمْتُ ؛ لأَنَّ مَع الطَّمَعِ القَلَقَ ومع انْقِطَاعه السُّكُونَ والطُّمَأْنِينَةَ كَمَا مَعَ العِلْم ولِذلك قِيلَ : اليَأْسُ إِحْدَى الرّاحَتَيْنِ