فول ومطر
ريح عاتية تهز بقوة أغصانا عارية. أفق رمادي ينذر بقدوم المطر. بيوت صفيح يتكئ بعضها على بعض. فوق تراب "الحـمري"أطفال حفاة، يركضون و يعدون، يلهون ويلعبون، يقفزون في كل ركن وزاوية. ينتظرون قطرات ماء. يترقبون هطول الغيث. يودون رؤية العجينة الطينية. يعشقون رائحتها. يحبون لمسها بأناملهم الصغيرة الودوعة. يفضلون العبث بها وصنع أشكالا وأشياء منها.
رجل في العقد الرابع من عمره. يلتف في معطف رث . ينتعل زوج حذاء تبدو من أمامه أصابع قدميه. فوق رأسه يضع قبعة مرتهلة لا تقيه من القر اي شيء. ببطء شديد يدفع عربة يدوية. يتوسطها قدر كبير تطل من تحته ألسنة لهب متوهج. وتنبعث منه رائحة فول مسلوق. تنتشر الرائحة في الجو وتمتزج برطوبة المكان لتسحب خلفها عددا من الصغار الذين يلحقون للتو بالعربة وهم يرددون: طايب وهاري....عزيز على الدراري.
خيط فضي يربط الأرض بالسماء...المطر بدأ يتساقط... توقف لحظة عن المشي تم احتمى بسقف بيت مهجور.بالقرب منه عربته. شرع في عد الريالات، الواحد تلو الآخر، قبل أن يضعها في قماش خشن ويعقد عليه بقوة. أدخل يديه في جيبي معطفه بحثا عن دفئ ينسيه لسعة الزمهرير. غفا بعض الشيء ثم غط في نوم عميق.
استيقظ على صيحات صبية يتشاجرون فيما بينهم...المطر قد توقف كلية عن الهطول. جميع الدروب والأزقة تحولت إلى برك . واحدة هنا وأخرى هناك...أحس بأمعاءه تعتصر من شدة الجوع ولم يكن قد ذاق طعم الأكل منذ أن غادر مسكنه. دفع عربته إلى الأمام. وببطء شديد اتجه نحو مطعم شعبي يقدم أطباقا تناسبه .
امر النادل بان يناوله طبق حساء فول عليه ملعقتين من زيت الزيتون تم كاس شاي بنكهة الا فسنتين. بعد دقائق معدودة اخذ يتناول بشراهة وجبته الغذائية. احس حينها كم هو الجوع خصم لدود يكاد يلقي بصاحبه الى التهلكة
توجه بعد ذلك الى صندوق الاداء بمدخل المطعم.ادخل يده اليمنى في جيب معطفه لتلا مس اصابعه فراغا غير منتظر.احس بان الارض تدور من تحت رجليه.نظربعينين غائرتين في وجه الشخص الضخم الذي كان يمثل امامه ثم خر مغما عليه.
اسيقظ مرة اخرى لكن على صوت غليظ و خشن.كانت زوجته التي تانبه على غفلته ونومه وعناء يومه كله في تلك الريالات التي سرقت منه اثناء وجوده تحت سقف المبنى المهجور.
بقلم: عبد القدوس أيت عبد الواحد